لا تريد حكومة ان يتسرب الى وعي مواطنها انها لا تتلمس اوجاعه او انها تقبل المساس باحتياجاته اليومية بيسر وسهولة ، ولا تريد اي حكومة ولا ترغب في الاقبال على قرارات او خطوات تضعها في خانة عدم الرضى الشعبي ، ومن هنا كان سعي حكومة الرفاعي الى الحديث باستفاضة عن مخاطر الشعبية المبنية على ترحيل الازمات او الصمت على اختلالات قد تفضي الى ازمات مستقبلا ، ولا اظنها غير راغبة بالشعبية او زاهدة فيها ، فأي حكومة ورئيس يبحث عن رضى الرأي العام وتحقيق علامات عالية على سلّم درجاته.
اليوم تقف الحكومة على مفترق طرق وهي تنشر برنامج عملها للناس وخطوات تنفيذه ، وامامها ازمات ثلاث او عقبات ثلاث ، اولاها عقبة عمال الزراعة الذين يدافعون عن لقمة عيالهم وحقهم في وظيفة توفرها الدولة لهم ، وحراكهم يأتي بعد حادثة الاختلاسات في وزارة الزراعة ، تلك الاختلاسات التي توفر رواتبهم لعامين على حد ادنى مع بقاء المشروع قائما ومفيدا للمجتمع المحلي ، لو كانت هناك رقابة مالية واغلاق ثغرات فرواتب العمال البالغ عددهم 250 عاملا تقارب النصف مليون سنويا ، وهذا رقم متواضع امام توفير الامان لعائلات العمال.
المفترق الثاني الذي يتوجب على الحكومة سرعة معالجته والاستجابة لمنطقه هو وثيقة القضاة الذين يطالبون بالاستقلال المالي والاداري عن وزارة العدل ، وقد سمعت من وزير العدل تبريرا يستحق المناقشة على ان يبقى القرار للسلطة القضائية ، فالوزير يقول لكاتب هذه السطور انه احتراما لهيبة القضاء ومكانته ازاحت الوزارة عنه عبء العطاءات واللوازم وخلافه من قضايا يومية مثل شراء الاوراق والاقلام والتفاصيل الصغيرة وتحملتها الوزارة ، مؤكدا ان الكثير من دول العالم تبتعد بالقضاء عن هذه التفاصيل معتمدا على ان حدوث حالة خلل او فساد - لا سمح الله - في عطاء فستكون اثاره كبيرة على مؤسسة العدل القضائية ، لكن الوزير لم يجب عما ورد في احاديث السادة القضاة عن الانتداب والاحالة الى التقاعد وقضايا كثيرة تم طرحها خلال المؤتمر القضائي لعل اهمها قضية انتداب قاضً ليكون في مكتب الوزير او الوزارة.
القضية الثالثة التي تحتاج الى جرأة حكومية ومضمونة النتائج تماما بحكم التاريخ الاردني ، هي المكاشفة الكاملة ووضع الناس بالصورة الكلية للوضع الاقتصادي دون اخفاء ، مسنودا ذلك مع سلوك في الانفاق يعزز هذا الضغط في النفقات وضبطها ، وان يتم استنفاد كل الوسائل التي من شأنها عدم المساس بالفئات الفقيرة والمتوسطة او على الاقل ان يكون التناول تنازليا ، من الاغنى الى الافقر ، وحينها لن تجد الحكومة اردنيا واحدا يتلكأ او يتراجع عن دعمها وتفهم الظروف المحيطة بقراراتها من ازمة عالميبة ونقص في المنح ، فقد سبق للاردنيين ان تعاملوا برضى ورجولة واباء مع مواقف اكثر صعوبة واكثر حسما من هذه الظروف وكانوا مثالا للانتماء العظيم.
ازمة المواطن الاردني مع الحكومات المتعاقبة ازمة ثقة اكثر منها ازمة شعبية ومنسوب تلك الشعبية ، وتراجع الثقة كان بسبب اخفاء الحكومات للاوضاع وتجميلها او تحميلها اكثر مما تحتمل ، ما يريده الاردني هو الحقيقة.
omarkallab@yahoo.com