مخطأ من يعتقد ان الحرب قد انتهت، هذا لانها " لم تبدأ بعد "، واحسب ان كل المعارك التي شهدتها الجغرافيا الفلسطينية بالضفة والقدس وبشكل محموم فى قطاع غزة، كانت عباره عن مجسات عسكرية او مناورات ميدانية بالذخيرة الحية، على الرغم من فداحة المشهد الذى راح ضحيته حوالي 50 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ونزوح أكثر من مليون فلسطيني في قطاعات الضفة وغزة، هذا اضافة الى تدمير شامل للبنية التحتية داخل القطاع على الصعيد الفلسطيني، أما من الطرف الاسرائيلي فلقد راح ضحية هذه المعارك 10 الألف بين قتيل وجريح فى محاور القطاع والشمال و الضفه، كما تم تدمير عشرات المنشآت المدنية والعسكرية وإعطاب مئات الاليات العسكرية ونزوج 350 ألف من سكان إسرائيل إلى مناطق آمنة، هذا اضافة الى خسارة يومية للموازنة الاسرائيلية تقدر بمليار دولار.
ميدانيا ، لم تستخدم المقاومة الفلسطينية بغزة بقيادة القسام ذخيرتها من الموارد البشرية المدربة، كما لم تستهلك مخزونها الاستراتيجي في الإنفاق ولا ذخيرتها من الأسلحة، وكل ما تم استخدامه من قبل المقاومة الفلسطينية على مدار 45 يوم من مسرح المعارك، كانت تلك العناصر فوق أرضية بالأسلحة التكتيكية الخاصة لحروب الشوارع، هذا لان القوات الاسرائيليه خلال عملية الاشتباكات لم تدخل الى موقعة الاشتباك الذى يراد لها الدخول اليها فى مسرح عمليات " الانفاق "، وبقى الجندي الاسرائيلي محصن فى دبابته وهو ما جعل قواعد الإشتباك تكون منخفضة وليست محتدمة الا فى معارك جباليا وحي الزيتونه التى راح ضحيتها اكثر من الف قتيل وجريح من صفوف القوات الاسرائيلية.
ولقد اعتمدت القوات الإسرائيلية استراتيجية عسكرية طيلة فترة المعارك ما قبل الهدنة على سياسة العقوبات الجماعية، القائمة على قطع الإمدادات المعيشية من كهرباء ومياه و تدميرا ممنهجا للبنية التحتية والبنية الصحية والتركيز على المستشفيات والمدارس التعليمية، لتنال من الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، وعلى الرغم من كل ذلك لم تنل من الإرادة الشعبية التى وقفت صلبه فى الدفاع عن أهدافها في التحرر والاستقلال، وهو ما جعل الاهداف الاسرائيلية رغم كل هذا الترويع الذى انتهجته بعيدة المنال ولم تحقق أيا منها.
واما على الصعيد السياسي فلقد خسرت الحكومة الإسرائيلية معظم حواضنها الداعمة، نتيجة زيف روايتها وانتصرت الرواية الفلسطينية بقيادة الدبلوماسية الاردنية، التي انتصرت لصوت العدالة ونهج الحكمة فى كل مواقع المجابهة التي خاضتها وأكدت على صلابة الغطاء السياسي الأردني، في المواجهة وهو الغطاء الذي أعاد للثوب العربي مكانته بفضل درجة الالتفاف العربي وحجم النصرة الشعبية التي أيدتها، والتى كان لها الدور الفاعل في الضغط لتحقيق الأهداف التى تتمثل بوقف العدوان وتغليب صوت الحكمة والاحتكام للمرجعيات الأممية لفض حالة الاشتباك.
وصول الجميع لهدنة التقاط الأنفاس، بعد هذه الجولة الدموية، تعطى فرصة لاعادة الحسابات كما تسمح لطرفي المعادلة من إعادة توظيف منازلهم السياسية وقدراتهم الميدانية، وان كان الجوله السابقه قد سجلت انتصارا بالنقاط لصالح المقاومة الفلسطينية، التى حصلت عليه فى الربع ساعة الاخير من العمليات العسكرية، وهو ما جعلها تفرض اشتراطاتها على نصوص الهدنة التي يتوقع بعد انتهائها من دخول الجميع فى حرب شاملة.
كما يتوقع متابعين ان تدخل كل الجغرافيا الفلسطينية فيها بكل فصائلها، هذا لأن الحل العسكري هو حل مرفوض وسياسة التدمير لغايات التهجير ستسقط بظلالها على كامل ساحات الاشتباك فى القدس كما فى الضفة، ذلك لان إبر التخدير السياسي التي يقف عليها الوزير بلنكن العائد للمنطقة فى مرحلة الهدنة باتت لا تنطلي على أحد فى ظل انكشاف الأهداف التى يراد ترسيمها وانكشاف ميزان الملعب وانحياز المحكمين، والكل بات مهدد بما بذلك مصر والأردن باعتبارها دول الجوار العضوي التى يراد منها استقبال المهاجرين من غزة ومن الضفة وهو ما ترفضه هذه الدول وتعتبره بمثابة إعلان حرب.
جملة الحرب هذه التي يتوقع أن تسود على المنطقة ما بعد الهدنة، على الرغم من سقوط نبوءة الأربعين يوميا لتحقيق الانتصار التوراتي، الناتجة عن حسابات الروايات التلمودية التي راحت تحسب معادلات لوغاريتمية السين والراء والنون، باعتبارها أحرف قائد القسام السنوار بواقع معادلات لوغاريتمية اخذت تشيعها الفرق المتدينة فى صفوف الشعب الاسرائيلي، والتى كانت من المفترض تحقيقها خلال نزال الاربعين يوما بتحقيق نبوءة مملكة اسرائيل من الفرات الى النيل وتنصيب نتنياهو ملكا عليها.
وهو ما هتف به أنصار نتنياهو ومؤيديه من الحريديم المتصهينين أمام بيته، لكن هذه النبوءة انفكت ونظرياتها تبخرت بعد انتهاء مدة الأربعين يوميا من عمر المعارك ما قبل الهدنة، وبهذا تكون اسرائيل فقدت نبوتها كما فقدت هيبتها فى السابع من أكتوبر، وتكون هى والمنطقة أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما ان يذهب الجميع تجاه مسارات سياسية سلمية يشارك فيها الجميع تعلن عبرها الدولة الفلسطينية، أو ان يدخل الجميع في حرب مفتوحة من باب خان يونس هذه المرة وهو ما يتوقع.
د.حازم قشوع