أزمة إسرائيل في غزة والضفة الغربية والقدس، أيضا، ستبدأ عند توقف الحرب، وليس هذه الأيام التي تواصل فيها إسرائيل عمليات القتل العشوائي، بعد هدن متقطعة لم تؤد لوقف الحرب.
هذه الحرب لها تأثير أردني حاد جدا، ليس على المدى الحالي وحسب، من حيث حالة التراجع الاقتصادي، والمخاوف من مواجهة أردنية إسرائيلية على مستويات مختلفة، تحت عناوين موجات التهجير، بل على المدى الإستراتيجي، وهو مدى مؤجل، ولا يمكن تأجيله إلى ما لا نهاية في المشروع الإسرائيلي، وهذا يعني في المحصلة أننا ندخل عام 2024 بأجندة مثقلة جدا، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وأمنيا أمام كل الاحتمالات التي تتطاير في وجوهنا.
لم يخرج الأردن من حسبات المشروع الإسرائيلي، تارة يتوجب تهجير أهل الضفة الغربية إليه، وتارة، يتوجب تحريره من أهله، باعتباره جزءا من إسرائيل الكبرى، وتارة يتوجب توريط الأردن بأدوار سياسية وأمنية داخل الضفة الغربية، وتارة يتوجب إنهاء وصاية الأردن على المسجد الأقصى، وإلغاء دور أوقاف القدس، وتارة يتوجب مواصلة إضعاف الأردن وجعله يعتمد فقط على الماء والغاز من فلسطين المحتلة، وإضعافه أكثر من خلال نفوذ إسرائيل لدى الإدارة الأميركية والكونغرس وبقية المؤسسات الأميركية الداعمة لإسرائيل، وهي التي تؤثر على العلاقات الأردنية الأميركية، وعبر إغراقه في العجز المالي، والديون بكل أنواعها.
بين يدي فيديو يتم تداوله دون تاريخ محدد، لكنه يؤشر على الذهنية الإسرائيلية، يقول فيه وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان إن على مصر التدخل أمنيا في غزة، وإدارة القطاع، وعلى الأردن التدخل في الضفة الغربية وإدارة المناطق A ويضيف صاحبه أنه لا يمكن اللجوء لأي حلول ثانية، بما فيها عودة سلطة محمود عباس إلى القطاع لاعتبارات كثيرة معروفة.
في كل الأحوال فإن مساحة الضفة الغربية من كل فلسطين التاريخية هي 21 بالمائة، ومساحة المناطق A التي يحكمها الفلسطينيون حاليا، هي 18 بالمائة فقط، من كل الضفة الغربية، وهذا يعني أن إسرائيل تريد السطو على بقية مساحات الضفة، وتسليم إدارة السكان في مناطق A، إلى الأردن، مع تسليم قطاع غزة، الذي سيتم تقسيمه إلى منطقتين شمالية، وجنوبية إلى مصر، بحيث تتولى مصر المناطق الجنوبية، مع إقامة مناطق عازلة في الشمال تكون مطلة على كنوز الغاز الفلسطينية، قبالة هذه المنطقة، التي تستهدف إسرائيل ثرواتها الغنية جدا.
هذا وضع حرج جدا، لأن كل الخيارات أخطر من بعضها، في ظل وضع جيوسياسي حساس جدا، وفي ظل مصاعب اقتصادية، وتحالف العالم مع إسرائيل، بحيث يبدو السؤال طبيعيا، حول الذي سنفعله هنا في الأردن، أمام المخططات الإسرائيلية التي على ما يبدو تتجنب المعالجات الاعتيادية وتريد توظيف ضربة السابع من (أكتوبر) وما بعدها لإعادة رسم خريطة فلسطين الداخلية الاجتماعية والسياسية والأمنية بشكل مختلف، يساعدها في التخلص من المخاطر الديموغرافية لوجود الشعب الفلسطيني على أرضه في كل الحالات.
استمرار الحرب يعني كارثة كبرى، وتوقف الحرب يعني كارثة من نوع ثان، إلا إذا سقطت المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، حاليا، لكن ما يمكن قوله اليوم إن إسرائيل لا تعرف كيف تجد حلا للملف الفلسطيني بغير العودة إلى خيارات قديمة، ومن بينها حكم الأردن للضفة الغربية، والتي للمفارقة ليست الضفة الغربية التي كانت موجودة فيها قبل عام 1967، بل تمت مصادرة أغلب أراضيها، وتتم المجاهرة بخيار حكم الأردن لمناطق A، وهو خيار يرفضه الأردن حتى لو توسعت حدوده، مثلما يبدو السؤال مشروعا حول مصلحة الأردن أصلا في توفير حلول لإسرائيل، وإخراج إسرائيل من أزمتها الأساسية، على حساب الشعبين الأردني والفلسطيني.
والكلام هنا يختلف عن كل مرة، فنحن نعبر التوقيت الأكثر حرجا، يختلف عن كل التواقيت السابقة، والعواصم الغربية التي لديها القدرة على وقف المخططات الإسرائيلية بحق الأردن مثلا، قد لا تكون مضمونة هذه المرة، أمام ما نراه من تحالف أعمى مع إسرائيل، مثلما إن الخريطة العربية هشة، ومتناقضة في مصالحها، وكأنّ الأردن يقف وحيدا وسط هذا المشهد الصعب.
نحن هنا لا نستثمر في المبالغات والعواطف والمخاوف، لكننا نعبر التوقيت الأكثر حرجا على كل المستويات، بكل ما تعنيه الكلمة، إلا إذا حدثت انفراجات غير متوقعة.