زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - «طوال 50 عاماً مضت اختبرنا الظروف الصعبة والمعقدة في الإقليم». تلك «عبارة توجيهية» قيلت في «اجتماع تشاوري» عقد مؤخراً في عمان تحت عنوان الإجابة عن «سؤال التحديث الاقتصادي» في مرحلة التأزيم التي تمر بها القضية الفلسطينية الآن. ورافقها في المستوى المرجعي رسالة تطمين لرموز القطاع الخاص «لا تقلقوا… الأردن بخير، وثوابتنا واضحة وصلبة في المعادلة الفلسطينية».
ترافق ذلك مع ظهور إعلامي جديد لوزير الخارجية النشط أيمن الصفدي، وحصراً على قناة الجزيرة مجدداً تحت إطار «العدوان واضح.. المعتدي ومرتكب الجريمة في غزة أيضاً واضح، والأصل هو جذر الصراع، والمعتدي الإسرائيلي ينبغي ألا يفلت من العقاب». وكشف الصفدي أنه سيسافر قريباً برفقة «وفد إسلامي عربي مكلف من قمة الرياض للتحدث مع الدول الكبرى والمجتمع الدولي ضمن سياق رسالة أكثر وضوحاً «أوقفوا العدوان الآن» ثم انتقلوا إلى مجلس الأمن لشرعنة الدولة الفلسطينية ومنحها الإطار القانوني وفوراً.
في الأثناء وفي مشاورات سياسية، يقترح المخضرم والخبير الدكتور مروان المعشر على عدة أطراف في الداخل والخارج، الصيغة اليتيمة التي قد تكون فعالة وفاعلة الآن لاحتواء «تداعيات خطرة لاستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني» وهي المبادرة فوراً لمشروع دولي أممي متفق عليه مع الولايات المتحدة لاستصدار قرار يعترف بالدولة الفلسطينية، فيما يبلغ خبير آخر متمرس هو رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني «القدس العربي» بحضور نخبة شخصيات بأن لديه بعض القرائن على أن «الصين» لديها «تصور» في المسألة الفلسطينية اليوم، وقد يتبلور لديها مشروع «سياسي الطابع» وله علاقة مجدداً بأصل وجذر الصراع.
«العدوان لن يستمر طويلاً»
العناني لا يخفي تقديره بعد سلسلة مشاورات واتصالات سياسياً بأن «الوضع البشع الحالي للعدوان «لن يستمر طويلاً، وعلى الأرجح لن يعبر نهاية العام الحالي، مع التأشير إلى أن العدوان الإجرامي على الشعب الفلسطيني يرهق العالم والجميع». في السياق، تزيد رقعة «التحرك الدبلوماسي» الأردني النشط على أمل «تأسيس ثغرة» في «جدار الصمت الدولي» كما يصفه الوزير الصفدي.
والشعور العام بعد «الجملة الاعتراضية» للأمين العام للأمم المتحدة في رسالته أمس الأول لمجلس الأمن، أن «أحداً ما ينبغي أن يفعل شيئاً» فيما ترسل طهران رسالتها الناعمة – حسب مصدر مطلع في المقاومة الفلسطينية تحدث لـ «القدس العربي» عبر قناة لبنانية- للأمريكيين، ومضمونها «أن منح واشنطن الشرعية للمجازر التي ترتكب في غزة يخلط كل الأوراق» وسيؤدي إذا استمر إلى غياب ضمانات متفق عليها سابقاً بشأن «عدم توسيع نطاق الصراع العسكري». ينبغي أن يتحرك الجميع لتغيير الواقع الحالي الذي بدأ «ينهك الجميع» برأي العناني، ويتلاعب بكل «حسابات المنطقة والإقليم».
المؤسسة الأردنية هنا وبوضوح قررت المواصلة في «قواعد الاشتباك» مع الرواية الإسرائيلية في اتجاهين:
الأول، العمل من داخل «لجنة قمة الرياض» المتحركة مع الدول الأوروبية، المهمة والمؤثرة عبر التفاعل أكثر من «مبادرات دول مثل بلجيكا وإسبانيا».
والثاني هو الإصرار، بتوجيهات ملكية مباشرة ويومية في عمان، على فتح «ثغرات» قدر الإمكان في جدار الحصار الإنساني على أهالي غزة، والعمل باللوجستيات حتى لتجاوز «التحكم المصري» في أي مساحة متاحة.
بُحثت المسألتان بحيوية وعمق في اتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الكندي، وحسابات عمان في ذلك الاتصال كانت السعي دبلوماسياً لتجاوز «نقطة المركز» الأمريكية التي بقي التأثير فيها مرحلياً صعباً ومعقداً في اتجاه الأطراف الحليفة حيث دول مثل كندا وفرنسا.
ويبدو في السياق أن الأردن في سعيه للتأسيس لحالة دولية تسمح بمناقشة «وقف العدوان والحرب» ثم البحث في «بقية التفاصيل» إنما يجرب حظوظه مع كل الأطراف؛ لأن منصة قمة المناخ في أبو ظبي مؤخراً شهدت «حوارات خاصة» مع رئيس وزراء الهند أيضاً، إضافة لتشبيك دائم بين الصفدي ونظيره المصري سامح شكري.
قال الصفدي للجزيرة قبل 3 أيام: تبدلت بعض القناعات، وحققت الدعوة لوقف العدوان بعض المنجزات، لكنها بطيئة حتى الآن، لكن القرار «مواصلة العمل والجهد».
بتقدير المعشر، تلك الحراكات ينبغي أن تستثمر في مناخ البحث عن «حلول بأفق سياسي». والمواجهة مع مشروعات ومشروحات اليمين الإسرائيلي وصلت إلى أفق مسدود، والواجب يتطلب «استمرار الضغط» لكن بتطوير صياغات الاقتراحات. وبرأي العناني، فإن حجم العدوان لم يعد من الممكن أن يستمر الصمت عليه طويلاً؛ لأن التواطؤ هنا أمر قد تدفع كلفته جميع الأطراف. وبناء عليه، يبقى السؤال الذي يمكن توجيهه للدبلوماسية الأردنية النشطة: هل يتطور الحراك إلى تحقيق هدف محدد؟
مجسات عمان
مجسات عمان وهي تحاول الإجابة على السؤال الأخير، تفترض بأن ما يعيق « الأفق السياسي كله» الآن هو إصرار واشنطن على ألا تنتهي المواجهة العسكرية بأي مكاسب لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية. لكن حتى رئيس الاستخبارات وليام بيرنز، ألمح مؤخراً لصديق «أردني» بأن تلك الاستراتيجية التي يعتمدها الوزير أنتوني بلينكن قد تؤدي إلى «تعقيدات أكبر». وما يقوله الأردنيون خلف الستائر للأمريكيين والأوروبيين هنا هو أن استراتيجية دعم العدوان والسماح لبنيامين نتنياهو وطاقمه الشقي المتطرف بالاستمرار في «الإجرام» سيبعد «المسار السياسي» أكثر، ولن يؤدي إلى إخراج حماس من المعادلة، لا بل قد يخدم «المتشددين» الفلسطينيين والعراقيين والإيرانيين في الإقليم أكثر، ويدخل الجميع في متاهات.
مضمون المحظور الأردني يمكن التماسه من سؤال قال الوزير الصفدي أمام «القدس العربي» إنه طرحه على مسؤول غربي بارز: ما عدد القتلى الذي يناسبكم في غزة حتى تشعرون بأن اللحظة مواتية لوقف العدوان؟
كان سؤالاً «خشناً» بامتياز بعدما تخلله سؤال لاحق بصيغة استنكارية: «هل تعتقدون أن إسرائيل ستحصل على الأمان والأمن إذا قتلت بمساعدتكم 300 ألف شخص من أبناء القطاع؟».
طبعاً، لا جواب على السؤال الأردني الذي طرح مبكراً بعد العدوان، لكن المقاربة الأردنية اليوم وبعد دخول العدوان شهره الثالث تتمثل في «جمع الإيجابيات والمبادرات» والسعي لإيصال «الجميع في العالم» إلى مرحلة يؤمن فيها بأن «البحث عن أفق سياسي» يبدأ بوقف العدوان والانهيار.
ما يقدره خبراء مثل المعشر والعناني وحتى الصفدي، أن تلك لحظة سيقف عندها العالم حتماً، لكن المطلوب أن يفعل في الوقت المناسب والملائم لإنتاج «فرصة» من «المحنة» التي حصلت بعد 7 أكتوبر. لذلك، وفي الخلاصة والاستنتاج، يمكن القول إن الأردن مع أطراف أخرى «أقل حماسة» بدأ يعمل متعرجاً في «المسار الحرج» ويضغط على «مجلس الأمن» لحسم كل ملف الصراع عبر استصدار قرار «يعترف بدولة فلسطين» كأساس لنزول الجميع عن شجرة نتنياهو.
«القدس العربي»