منذ سنوات طويلة كان الخط (الأحمر )، يعني لنا أمراً خطيراً ، أو مهماً لا يجوز لأي واحد منا ان يتجاوزه , أو يتخطاه سواء على دفاتر النسخ ، أو أوراق الامتحانات في المدرسة ، وعندما كبرنا أدركنا ان الخطوط الحمراء ظلت تلاحقنا في عالم السياسة حتى في زمن الحرب الباردة, او في زمن (الاحتيال ) الذي شهد (انقلابات ) في كل المفاهيم والمبادئ رغم ان الخط الاحمر يستخدمه البعض احيانا ليكون هو الحد الفاصل ما بين القرار ( الصائب ) و(الخطيئة ) عندما يتعلق الأمر بحياتنا ( وخبزنا ) و(أمانينا ) .
لقد تبدلت كل الأشياء ، وأصبحت في هذا الزمن معظم الخطوط ( الحمراء ) هشّة مائعة ، يتخطّاها البعض بسهولة ، أو( ينزلق ) عليها بعض اولئك الذين (يرون) دائما أن ما في (الغيب ) أولى مما في (الجيب) ... ويصبح حينها الدواء (داءً) ، والترياق (سُمّاً),فيكبر (الجوع )، وتلتهب المضاجع .
القرارات (الصعبة )التي تمهّد الحكومة لاتخاذها في الأيام المقبلة تجعلنا (نتحسّب), ونتقلّب ، حينما نستشعر أن هذه القرارات قد تخترق كل خطوطنا(الحمراء) .. خبزنا وشربة مائنا .. ورواتبنا، وحتى أنفاسنا وربما نبضات قلوبنا ، في حين يضل أبناء( العز) يتلذذون ليلاً ونهاراً بمشتقات نجهل اسماءها ، ويمتطون الغوّاصات .. ويلعقون الشهد مع انهم لا يعيرون للجغرافيا الأردنية أدني إهتمام.
اذا كانت الحكومة ترى أن إنقاذ الوضع أو إذابة (جليد) العجز يتطلب حجماً كبيراً من التضحيات ، فانه لا يجوز أبدا ان تصل مثل هذه التضحيات الى حد الانتحار .. او ان تتحمّل الطبقات المسحوقة التضحية وحدها ، فيما يعفى منها اولئك الذين ينهبون ولا يعطون ، او اولئك الذين يتكسّبون على ظهور الغلابا .
اؤمن بان الوطن يستحق منا ان (نضحّي) ، وان نصبر ، ونتحمّل ، ولكن يجب الا تجيّر هذه التضحية لانعاش آخرين يمتنعون عن تقديم أي شيء لصالح الوطن ، يدفع المعدمون قوت عيالهم ، وحليب أطفالهم واستحقاق شيخوختهم ، فيما يمتنع (المترفون) عن المشاركة في تحمّل المسؤولية تجاه الوطن.
اذا فكرت الحكومة في ان تعويض عجز الموازنة يتأتّي عن طريق المساس ب(الماعون ),أو رفع أسعار الخبز والكهرباء والماء ، والاقتطاع من رواتب المتقاعدين ، وفرض ضرائب جديدة ،فانها تكون قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء ، واغتالت ما تبقى لدى الفقراء والمساكين من بارقة أمل .. وتحول العجز من عجز موازنة الى عجز عيش لدى فئات كبيرة من المجتمع الأردني .
لسان حال المواطن الأردني .. يقول :.... لا تقتربوا من (خبزنا) فهو خط أحمر .. لا تقتربوا من (أنوار) منازلنا فهي خط أحمر .. لا تقتربوا من رواتبنا فهي خط أحمر .. لا تقتربوا من مياه شربنا فهي خط أحمر .. لا تتلاعبوا بأعصابنا فهي خطوط حمراء ،.... لا تستعيدوا مخصصات (فقرائنا) فهي خط أحمر .. دعونا نعيش.. دعونا نأكل الخبز ولو كان يابساً .
أليس لدى حكومتنا (الجرأة) في أن تستعيد مئات الملايين التي نهبت في وضح النهار .. أليس لديها القدرة على تحصين (خزانتنا) من أيدي العابثين والفاسدين .. أليس من الأولى أن يسد العجز من أموال الشعب التي انتقلت بقدرة قادر الى حسابات المختلسين وتجار الأزمات والمنافقين ، أو من الأموال التي (تتدحرج) لتستقر في حسابات مشاريع وهمية أو خاسرة ، أو التوقف عن (ترفيّة) الوزراء والمسؤولين الذين يقدمون على شراء السيارات وتجديد أثاث مكاتبهم بمئات الألوف .. أو التوقف عن صرف الرواتب الخيالية لبعض المستشارين والمتنفّعين والخبراء والمدراء ..؟ّ!
أتمنى أن (يذوب) العجز ، وأن تحافظ الخطوط الحمراء على هيبتها وأن تتراجع الحكومة عن مشاريع قراراتها ... وليحفظ الله الوطن