شن الإعلام الصهيوني الإسرائيلي هجوما على جلالة الملكة رانيا العبدالله بعيد المقابلة التلفزيونية التي أجرتها على شبكة “سي إن إن” الأمريكية في الـ24 من تشرين أول الجاري حول العدوان الذي تشنه دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
وعبرت جلالة الملكة في المقابلة التلفزيونية عن صدمة العالم العربي وخيبة أمله من ما وصفته بالمعايير المزدوجة والصارخة في العالم والصمت الذي صم الآذان في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر على أهلنا في غزة.
شن الهجوم على الملكة رانيا يأتي في سياق الإستهداف الإسرائيلي للأردن نظرا لمواقفه المتشددة من الجرائم الإسرائيلية بحق أهلنا في غزة، ومن قبلها الإنتهاكات في القدس المحتلة والضفة الغربية ورفض أي مخطط لتهجير الفلسطينيين.
لقد برهنت حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الغاصب بدعم مطلق من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، أن كل ما يدّعيه الغرب من ديمقراطية وحرية وحقوق إنسان، كذبة كبيرة، وأن الهوّة كبيرة في بلدانهم بين الحكام والمحكومين، وأن لا صوت ولا رأي لشعوبهم في القرارات التي تتخذها الطغم الحاكمة، وأن حق التظاهر موجود ولكن لا قيمة عندهم للمتظاهرين ولا لأصواتهم مهما بلغ عددهم؛ فالمتظاهرون يصرخون والمسؤولون داخل قاعات إجتماعاتهم صمٌّ بكمٌ عميٌ يتخذون القرارات التي تحلو لمن يدفع لحملاتهم الانتخابية.
هل يمكن لأعضاء برلمان في بريطانيا أن يصوّتوا ضد وقف إطلاق النار في غزة، حيثما كانت هذه النار؟ أوليس من واجبهم كعاملين مفترضين في السياسة أن يصوّتوا لوقف إطلاق النار وإيجاد الحلول؟ وهل يمكن لرئيس دولة أن ينسحب من جملة بسيطة أقل ما يمكن أن يقال: «اليوم المدنيون يُقصفون، هؤلاء الأطفال، هؤلاء النساء وكبار السن يتمّ قصفهم ويموتون»، حيث اضطرّ في اليوم التالي أن يتصل بقادة الاحتلال ويعتذر عمّا قاله ويعبّر عن دعمه للكيان الغاصب بالدفاع عن النفس؟ وهل يمكن أن دول الـ G7تخصص وقتاً للمفاضلة بين هدنة إنسانية وتوقف إنساني، وتنتهي إلى «توقف إنساني» لأنه أقصر من الهدنة؟! وهم أمام واقع تطهير عرقي واستباحة غير مسبوقة لحياة البشر والشجر والحجر والجرحى والأطفال الخدج وحديثي الولادة والأمهات؟
وعبرت جلالة الملكة رانيا العبدالله عن صدمة وخيبة أمل العالم العربي من “المعايير المزدوجة الصارخة” في العالم و”الصمت الذي صمّ الآذان” في وجه الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، مؤكدة على أنه بالرغم من الرواية السائدة في الإعلام الغربي إلا أن “هذا الصراع لم يبدأ في السابع من تشرين الأول”.
وأضافت جلالتها “معظم الشبكات تغطي القصة تحت عنوان “إسرائيل في حالة حرب”. ولكن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين على الجانب الآخر من الجدار العازل والجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، لم تغادر الحرب أبداً. هذه قصة عمرها 75 عاماً؛ قصة موت وتهجير للشعب الفلسطيني”. وأضافت جلالتها “أغفلت الرواية ابراز تلك القوة العظمى الإقليمية المسلحة نووياً التي تحتل وتضطهد وترتكب جرائم يومية موثقة ضد الفلسطينيين”.
في مقابلة مع مذيعة CNN، بيكي أندرسون، إنه “بعد مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، 70% منهم نساء وأطفال، فإن ادعاء الإسرائيليين أنهم يحاولون حماية المواطنين بصراحة إهانة لعقل الشخص”، وذلك ردًا على إصرار الإسرائيليين بأنهم يبذلون قصارى جهدهم لحماية المواطنين في غزة.
كما علقت جلالة الملكة رانيا على مطالب الإخلاء من قبل الجيش الإسرائيلي، قائلة: ” لا أظن أن أوامر الإخلاء هذه هي لصالح المدنيين في غزة. إنهم ليسوا الجمهور المستهدف، وإنما بقية العالم، فهي محاولة من إسرائيل لإضفاء الشرعية على أفعالها”.
وأدانت جلالتها معادات السامية والإسلاموفوبيا في حديثها، مشيرة إلى أنه ” أمر غير مقبول أبدًا، وليس من المبرر أبدًا مهاجمة شخص ما بناءً على معتقداته السياسية”.
وتابعت بالقول: ” لدينا تاريخ طويل من التعايش السلمي. إذًا، الأمر لا يتعلق بالدين، بل بالسياسة. وما رأيناه في السنوات الأخيرة هو استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح من أجل إسكات أي انتقاد لإسرائيل”.
وقد أظهر الإعلام الإسرائيلي والمسؤولون الإسرائيليون الصهاينة غضبا شديدا تجاه الحقائق التي قالتها الملكة رانيا، حيث يبدو أن قول الحقيقة غير مريح لدولة الإحتلال التي لطالما إفترضت أن على الجميع تبني رواية “إسرائيل” بل والدفاع عنها.
ولقد آلمت الحقيقة الإعلام العبري الصهيوني الذي جند نفسه لمهاجمة جلالة الملكة رانيا على إثر تلك المقابلة، والذي حرص على التشكيك في الحقائق التي جاءت على لسانها على شاشة شبكة “سي إن إن” ، بهدف تبرير الهجوم عليها بهذا الشكل الصارخ، إذ إن الحديث عن الإنتهاكات والجرائم الإسرائيلية الصهيونية بحق أهلنا في فلسطينيين عبر الإعلام الغربي يعد من الخطوط الحمراء، خشية على صورة الدولة الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان والتي تحاول حكومات الإحتلال المتعاقبة رسمها وترويجها للمجتمعات الغربية.
وعبر حسابه على موقع إكس شن وزير الحرب الإسرائيلي الصهيوني المتطرف ليبرمان هجوما على الأردن والملكة رانيا، وذلك في مشهد يشي بحالة الحنق الإسرائيلي على مواقف الأردن الرافضة للعدوان على غزة.
وفي مقابلة أجراها رئيس حكومة الاحتلال السابق اليميني المتطرف نفتالي بينيت مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، وأوردها الأخير عبر حسابه على موقع “إكس”، قال بينيت إن الملكة رانيا “كذبت تماما” عندما إتهمت “إسرائيل” بأنها دولة فصل عنصري.
ما تواجهه اليوم جلالة الملكة من هجمة شرسة تعيد إلى الأذهان ما حدث مع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومن غير المستبعد أن تتهم الملكة رانيا بمعاداة السامية على إثر موقفها النبيل من العدوان الصهيوني القذر .
كارتر إنحاز إلى ضميره كإنسان، وقرر أن يقول كلمته بقوة وجرأة ضد دولة صهيونية عنصرية خطفت البيت الأبيض واستخدمته في خدمة مصالحها وحروبها، للتستر على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية بأسرها.
وأدان وزير خارجية الإحتلال الصهيوني إيلي كوهين، التصريحات التي وجهها غوتيريش، واصفا إياها بالإنحياز وبأنها تشوه الحقائق. وقد شن الجانب الإسرائيلي، سواء على الصعيدين السياسي والإعلامي، هجوما حادا على غوتيريش، وإعتبروه معاديا للسامية.
سفير الإحتلال لدى الأمم المتحدة إردان إعتبر خطاب غوتيريش صادما، ودعا إلى إستقالته، مشيرا إلى أن التصريحات تشكل مبررا للإرهاب والقتل حسب زعمه، وأضاف: “الأمين العام منفصل تماما عن الواقع في منطقتنا”. مؤكدا أن غوتيريش يثبت كل يوم أنه لا يستحق منصبه في الأمم المتحدة.
إنّ حرب الإبادة التي ترتكبها الصهيونية، نجم عنها دروس ودروس سنستغرق سنوات في تدوينها وتفنيدها وتصنيفها في التاريخ العالمي، فقد برهنت أن حكومات الغرب برمّته لا تقيم وزناً لقوانين إنسانية ومنظمات أممية، وأن مهزلة مقولة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» ستكون وصمة عار حقيقية في تاريخهم، وحرب الإبادة هذه تبيد بالإضافة إلى البشر الثقافة والمكتبات والتاريخ والأعراف والعادات والتقاليد والصحة العامة، تماماً كما فعل الأميركيون بسكان أميركا الأصليين، والأستراليون بالأبورجينز، ومن النزر اليسير الذي تبقى من هاتين الحضارتين أدركنا أنهما حضارتا ثقافة وفنون وروحانيات وإنسجام مطلق مع الطبيعة والحكمة والفطرة السليمة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي