زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - هل يمكن إصلاح الهيكل الحالي مؤسساتياً، الذي يحمل اسم السلطة الوطنية الفلسطينية؟ هذا هو السؤال الذي يتكرر في دوائر القرار الأردني وينبغي أن تجيب عليه ما دامت تمتلك نظرة عميقة ومتقدمة في واقع السلطة الفلسطينية أولاً، وثانياً كمية وحجم التجاذبات في مؤسساتها وقاعدة جمهورها، من أجل تجنب احتمالات التورط بـ «كمبرادور فلسطيني» جديد وسيط للاحتلال إذا ما لم يتم التمكن من تجهيز متطلبات الإسعاف المفترضة لإعادة إنعاش السلطة الفلسطينية.
ففيما يتحدث قادة حركة «حماس» والمقاومة الفلسطينية اليوم بعد مبادرات ووثائق وبيانات ونصائح سياسية تصل إليهم عن إعادة بناء المرجعية الفلسطينية، ينشط سياسيون أردنيون وبعضهم رسميون، في الاتجاه الذي يحاول دعم وإسناد مقترحات ترى أن المرجعية موجودة ومتاحة. ولا يوجد أفق سياسي لبناء مرجعية جديدة، والمقصود هنا بدلاً من التحدث عن إعادة بناء مرجعية فلسطينية تحظى بشرعية جديدة، يميل الأردن أو غرفة القرار العميق في عمان إلى الطرح الذي يركز على إعادة تجديد وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبار ذلك هو الخطوة المنطقية والواقعية الوحيدة التي يمكن أن تجذب، مثل الولايات المتحدة الدول الغربية، إلى عملية سياسية أعمق وأشمل، تبدأ بوقف الحرب الإسرائيلية الحالية على الأهل في قطاع غزة والضفة الغربية، وتنتهي بالسعي لحل الدولتين.
لكن في الشرط الموضوعي الأردني الذي بدأ يتسلل إلى أحاديث النميمة السياسية هنا وهناك كلمات وعبارات واضحة في سياق وصفة تقترح عدم بذل الكثير من الوقت والتفكير واختصار المسافات والجهد، بتشجيع إعادة بناء السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها المرجعية، بدلاً من الانشغال بمساحات أو ملفات مثل إعادة بناء منظمة التحرير أو البحث عن مرجعية جديدة. هذا النمط من التفكير براغماتي بامتياز، والمقصود هنا اختصار الكثير من الوقت وحقن الدماء في عرف المؤسسة الأردنية والعمل فوراً على تحقيق استثمار ومكاسب للضحايا الكثر الذين سقطوا في غزة بعملية سياسية تبدأ بإعادة بناء وتجديد السلطة، وتنتهي بحل الدولتين، الذي يقدر أردنيون خبراء منهم الدكتور مروان المعشر، أن الحديث به الآن أصبح أسهل من أي وقت مضى.
وليام بيرنز رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكي، تلقى مؤخراً «نصيحة من صديق أردني» عندما استفسر عن أفضل المعالجات للأزمة الحالية، فكانت النصيحة تقول «فوراً وبدون تردد، أوقفوا الحرب واتخذوا قراراً في مجلس الأمن يعترف بدولة فلسطينية لتفويت الفرصة على اليمين الإسرائيلي ومعه اليمين الفلسطيني».
«إعادة إصلاح مؤسسات السلطة».. هذا ما يقال في الدواوين المغلقة على الأقل في عمق المؤسسات الرسمية الأردنية هذه الأيام. لكن السؤال الذي يبدأ فيه النقاش، لا أدلة عليه بجواب جاهز في ذهن المؤسسات الأردنية؛ والسؤال اليوم وبعد السابع من أكتوبر وتداعياته ما إذا كانت السلطة الفلسطينية الحالية وبوضعها الحالي قابلة أصلاً هيكلياً للتجديد والتطوير، أو حتى للإصلاح، وفقاً للمفردة التي يفضل كبار مسؤولي عمان استعمالها، ولا أحد يعلم ما هي حيثيات إصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية، أو يعلم ما إذا كان المقصود بالإصلاح والتحديث والتطوير هو تدشين الفرصة لمرحلة انتقالية تتضمن تكنوقراطاً معروفاً بالنزاهة، أم الذهاب إلى صناديق الانتخابات مجدداً بعد أن تضع حرب غزة أوزارها، حتى التخلص أو بناء حالة جديدة للسلطة، أو بتنظيم «حكومة بصلاحيات واسعة».
أغلب التقدير أن الأردن لا يريد أن يغرق في حسابات سياسية قائمة حصراً على فكرة صمود المقاومة أو حتى انتصارها في المعركة، وأن عمان لا ترغب في هذه المرحلة على الأقل بركوب موجة الشعبويات التي تطالب بإنصاف المقاومة وتمكينها من ترسيم مستقبل قطاع غزة. وعندما يتعلق الأمر حصراً بموقف الأردن من سؤال غزة ما بعد الحرب، ثمة سيناريوهات وتحضيرات، لكن الثابت أنه لا حماس والفصائل المقاومة بتركيبتها الحالية ولا السلطة بوضعها الحالي، جزء من هذا السيناريو طبعاً، وفقاً لما يتسلل ويتسرب من هنا وهناك وفي كواليس مشاورات عمان.
بكل حال، لا تتطرق عمان في هذه المرحلة لأي تفاصيل، لكنها تشارك في صناعة تصور وسيناريو ما لمرحلة مستقبل غزة على أساس الربط الكامل مع الضفة الغربية وعودتهما معاً إلى حكم وإدارة سلطة فلسطينية مستجدة أو خضعت للتجديد.
كيف سيحصل ذلك وبأي ثمن؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لكن ما يخشاه مراقبون أن الحكومة الأردنية تمضي قدماً نحو ارتكاب خطأ قديم في الترتيبات، قوامه البقاء ضمن التصور الاستراتيجي الأمريكي بكل حال، وفي حالة بُعد مع المقاومة الفلسطينية وقراءة نتائج معركة طوفان الأقصى على هذا الأساس فقط. ذلك بنظر بعض السياسيين خطأ في الحسابات الاستراتيجية على الأرجح، يؤسس لأخطاء أخرى على المستوى التنفيذي والإجرائي.
«القدس العربي»