زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين- هذه المرة يحقق الأردن دبلوماسياً خطوة إضافية، لكن عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قضى إجازة عيد الميلاد الأخيرة في الأراضي الأردنية وحصل في الأثناء بعد لقاء خاص مع العاهل الملك عبد الله الثاني على جرعة إضافية من المحذورات والمحاذير.
الرئيس الفرنسي، وفقاً لما أعلنه قصر الإليزيه بعد ظهر الخميس، اتصل شخصياً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإبلاغه، وليس لاستئذانه كما لاحظ أحد الدبلوماسيين الغربيين في عمان، بأن الجمهورية الفرنسية والمملكة الأردنية الهاشمية قررتا معاً ما سمّاه البيان الفرنسي بـ»تنفيذ عمليات إنسانية في قطاع غزة».
طبعاً، ماكرون الذي يحاول تعديل لهجته مؤخراً فقط، عبر مجدداً عن قلقه من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة. وما كانت ترصده وتلاحظه أوساط وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مؤخراً ارتفاع ملحوظ ومرصود في عدد المرات التي قال فيها زعماء أوروبيون عبارة تتعلق بضرورة وقف القتال والحرب وإطلاق النار.
الجديد تماماً هو استعمال البيان الفرنسي لعبارة «تنفيذ عمليات إنسانية». ووفقاً لمنطوق مضمون هذه العبارة السياسي، المسألة تختص بإجراءات عملية تقررت، ويفترض الفرنسيون من حكومة نتنياهو تجنب إعاقتها في نمط من الشراكة بين عمان وباريس تحت لافتة الإنسانيات طبعاً برز مؤخراً، وبهدف إدخال أكبر كمية ممكنة من المساعدات إلى قطاع غزة في بندَي «المنظومة الصحية وسلسلة الغذاء».
مسألتان
والحديث عن إطار عملياتي للجهد الإنساني الثنائي هنا يعني -حسب الفهم المفترض- مسألتين. أولاً، لوجستياً: انتقال شاحنات المساعدات من أغوار الأردن عبر الأراضي المحتلة مباشرة إلى قطاع غزة. وثانياً، التمكن من إيصال جزء من هذه المساعدات إلى شمالي القطاع في حين ان إرسال المساعدات للقطاع مسألة في غاية الأهمية، كما قال أمام «القدس العربي» الناشط الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي، وهو يظهر اهتماماً بتتبع التفاصيل. في خلفية الحدث نفسه المعلن عنه في باريس وعمان عصر الخميس، تفاصيل إضافية قد تكون مهمة، من بينها أن الرئيس الفرنسي عندما زار الأردن لقضاء إجازة خاصة مؤخراً أظهر اهتمامه بحيثيات قدمها الجانب الأردني بعنوان «استحالة تقويض البنية العسكرية لحركة حماس بالنار فقط».
ويبدو هنا أن الرئيس ماكرون سمع كلاماً صريحاً من الجانب الأردني محوره السخرية المدعمة بالأرقام والوثائق من فكرة هزيمة حركة حماس عسكرياً وبدون التسبب بمجاعة أو تدمير كامل القطاع وقتل مئات الآلاف من الأبرياء.
في التفاصيل أيضاً، سمع المفوض الأوروبي جوزيف بوريل ومعه وزيرة الخارجية الفرنسية سؤالاً مباشراً مرتين على الأقل من مسؤول أردني بارز بعنوان: ما هو عدد المدنيين الذين ترغبون بأن تقتلهم إسرائيل وتتقبلون ذلك حتى تقتنعون بوقف إطلاق النار؟ فقد تم إحراج المسؤولين الأوروبيين هنا بذكر بعض الأرقام، وتوجيه سؤال آخر مباشر: هل تريدون مثلاً قتل 300 ألف فلسطيني.. حسناً، عليكم أن تقولوا لنا ما الذي سيحصل بعد ذلك؟
في التفاصيل الأردنية الفرنسية أيضاً اتفاق على أن ترسل فرنسا طائرات محملة بالمساعدات لأهالي قطاع غزة على الأقل من باب التعويض عن موقفها المؤيد للعدوان الإسرائيلي في البداية إلى الأردن أولاً، فيما تتعهد المملكة بنقلها إلى قطاع غزة في سياق تنشيط لوجستيات معبر كرم أبو سالم.
لذلك ولغيره من الأسباب، يمكن الافتراض بأن اتصال ماكرون بنتنياهو الخميس هو أقرب إلى رسالة سياسية قد تشارك فيها ولو في الباب الإنساني حكومة ألمانيا أيضاً؛ لأنها أرسلت عبر الأغوار الأردنية حمولة طائرتين من المساعدات، ولأن التقارير الأولية من سفراء البلدين في تل أبيب بدأت تتحدث فعلاً عن معايير ومؤشرات مجاعة تظهر شمال ووسط قطاع غزة. قبل ذلك، كانت المؤسسة الأردنية قد استضافت قمة خاصة بالمنظمات العالمية الإنسانية، وفي الاجتماع الرئيسي لها في عمان أبلغ ممثلوها: «لا عليكم.. أرسلوا ما تستطيعون من مساعدات، ونحن نتولى نقلها».
الرهان في ضمان مسألة النقل هنا أردنياً كان على إمكانات الاستثمار في الخلافات الأمريكية والإسرائيلية، هذا أولاً. وثانياً، على ما بدا أنه اهتمام أوروبي ليس بتغيير اللهجة فقط تجاه العدوان، ولكن بالاستثمار في الإمكانات اللوجستية الأردنية؛ حيث توجه الشاحنات محملة بالمساعدات أوفر مالياً من الأغوار إلى معبر كرم أبو سالم، وإن كان البرغوثي يعتبر أن الاختراق الحقيقي هو تشغيل معبر إيرز. وحيث الالتفاف على مؤشرات التشدد المصري في معابر رفح بعدما برز صراحة موقف وزير الخارجية سامح شكري وهو يدعم، مع الصفدي وغيره من وزراء الخارجية العرب، فكرة «التخفيف عن مصر؛ تقديراً لظروفها الأمنية والبحث في تنشيط وتشغيل معابر أخرى».
خطوة أساسية
والأردن بهذا المعنى يعتبر لوجستيات الإغاثة والمساعدات خطوته الأساسية القادر عليها بضغط شديد على حكومة اليمين الإسرائيلي في الأثناء، وباعتبار ذلك رغم الظروف الاقتصادية الصعبة محلياً هو الخيار الوحيد أمام عمان للمضي قدماً في خطها المعني بالتصدي للتهجير والتحريك الديموغرافي بناء على قناعة بأن إيصال المساعدات فعلاً لأكبر شريحة ممكنة من الغزيين وسيلة من وسائل الضغط لاحتواء تداعيات العدوان الإسرائيلي ومنع النزوح، ومن ثم سيناريو التهجير.
هنا حصراً ناضلت الدبلوماسية الأردنية بكل ما تستطيع. واستجابت فرنسا بتلك العبارة ذات الدلالة على لسان الرئيس ماكرون، وفي الطريق قد تتجاوب ألمانيا ثم غيرها من الدول الأوروبية مع الخط الإغاثي اللوجستي الأردني الجديد، فيما يتكفل الأمريكيون عن بعد بدورهم بضبط الإيقاع الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم وإسناد ضخ الخط الأردني للمساعدات.
عملياً، لا يعفي ذلك الأردن من مسؤوليات إضافية، لكن المهم أن استعمال قصر الإليزيه لعبارة تنفيذ عمليات مع الأردن قد تعني ترتيبات أمنية واستخدام إمكانات سلاح الجو الأردني الملكي أيضاً؛ حيث كانت عمّان نفذت إنزالات طبية داخل قطاع غزة بالطائرات خلافاً. وتبقى المهمة الأردنية – الأوروبية وتجنباً لكثير من الإحراجات سياسية الطابع بكل الأحوال.
«القدس العربي»