الأردن البلد العربي الأكثر تأثرا بما يجري في غزة والضفة الغربية، وإذا كانت هذه الحالة لها أسباب كثيرة، فمن المهم معالجة حالة التأثر بوسائل مختلفة، حتى لا تتعمق هذه التأثيرات اكثر.
من حيث المبدأ سبب التأثر الاكبر يرتبط بالجوار مع فلسطين والتاريخ والجغرافيا والتداخل الأردني الفلسطيني، وادراك الأردنيين منسوب المخاطر التي قد تتدفق الى الأردن من اسرائيل، اضافة الى مشاعر الوطنية العالية التي يتسم بها الأردنيون، وارتباطهم بأمتهم وقوميتهم، ومع كل هذا طبيعة البنية الاجتماعية وتركيبتها والاتجاهات السياسية فيها، والمحددات التي تصوغ شخصيتها العامة، والتأثيرات المتبادلة داخل الأردن ذاته على مستويات مختلفة.
التأثر ينحصر بمحاور محددة، اولها حالة القلق الشديد بشأن المستقبل وعدم اليقين تجاه ما سيحدث غزة في ظل استمرار الحرب، والكلام عن سيناريوهات التهجير من الضفة وغير ذلك، وثانيها ما يرتبط بالحالة المعنوية المنخفضة جراء المذابح الاسرائيلية، والتي تركت اثرا ليس سهلا على الوجدان الأردني، وثالثها الارتداد الاقتصادي السيئ في ظل المخاوف السابقة، وحالة الانجماد وخفض الانفاق، وتأثيرات كل الازمة حتى على الملاحة في الاحمر، والسلع المستوردة الى الأردن، وتأجيل الافراد وربما بعض الشركات للمشاريع الشخصية اضافة الى خسارة الوظائف في بعض القطاعات، وموجات الغلاء المحتملة خلال الأشهر القليلة المقبلة وما يعنيه ذلك على صعيد استقرار الداخل، ورابعها ما يتعلق بسوء الفهم الذي يطل برأسه احيانا حول دور ونوايا الافراد او المجموعات وتعبيراتهم المتسرعة او المتعمدة تجاه مبدأ تثبيت استقرار الأردن، وحالة الشك ازاء دور البعض، واستعداده للمغامرة بالأردن بسبب حسابات معينة، وخامسها القلق من احتمالات تحول الحرب الى اقليمية بما يعنيه ذلك على كل دول المنطقة، وليس الأردن حصرا، وسادسها المؤشرات المتتالية التي يتم اعلانها على اساس الشفافية حول الوضع الداخلي وتتسبب بسلبية شديدة، في ظل غياب اي ايجابية في المحتوى السياسي والاعلامي بشكل عام، وسابعها تفشي الاشاعات بشكل غير مسبوق جراء وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل ثانية، والاستعداد الغريب لتصديق كل شيء مسيء، بما يؤشر في العمق على اهمية مراجعة منسوب الثقة بالدولة، خصوصا، في ظل استمرار الحملات من بعض الاطراف الداخلية، وبعض الجهات الخارجية، وثامنها المهددات الامنية المختلفة على الصعيد الداخلي، وعلى صعيد الحدود الشمالية والشرقية والغربية.
هذه محاور قد ينطبق بعضها على بعض الدول العربية، لكن بشكل منخفض جدا، لكنها في الأردن عميقة بطريقة واضحة، مما يجعلنا نسأل عن عام 2024، والحلول الواجب اتباعها من اجل ادامة موقف الأردن المساند لفلسطين، حيث لا مصلحة ابدا لأهل فلسطين في ان يضعف الأردن، او يتراجع، في الوقت الواجب فيه تنشيط الحياة في الأردن بشكل طبيعي قدر الامكان، من اجل حياته واهله ومستقبله ايضا، خصوصا، ان اغلب العرب ايضا يواصلون حياتهم كالمعتاد فيما تتعمق الآثار الحساسة هنا بشكل اعلى، واكثر حدة على كل المستويات.
الكلام هنا لا يعني أبدا إدارة الظهر لفلسطين وغزة والضفة الغربية والقدس، ولا التورط ايضا في الهواجس والمبالغات والاتهامات والشكوك، ويعني بشكل واضح ومحدد تخفيف اثار الازمة علينا، ومعالجتها على كافة المستويات، واسترداد الحياة في الأردن يعني حمايته، بما يعنيه لأهله من جهة، وبما يعنيه من اهمية بقائه مساندا فاعلا لفلسطين على المدى الاستراتيجي.
أن نترك الأردن ليضعف تدريجيا، ليس عملا صالحا بكل ما تعنيه الكلمة، حتى لو كانت النوايا حسنة، وكثيرا ما ادت النوايا الحسنة الى نتائج كارثية في عالم العرب ومشتقاتهم ايضا.
تشخيص الازمات ليس صعبا، لكننا بحاجة الآن الى حلول.