من المبالغة القول إنّ الشهيد محمود المبحوح كان يمتلك الوزن التنظيمي والسياسي في حماس مقارباً لعماد مغنية في حزب الله، والعملية ليست بالحجم والتعقيد نفسه لاغتيال مغنية.
لكن، بلا شك، تمثل عملية اغتيال المبحوح علامة بارزة، ليس فقط على صعيد الصراع بين حماس وإسرائيل، بل حتى إقليمياً.
المفاجأة الحقيقية في العملية، التي قلبت الرهانات، وأعادت هيكلة قراءتها، تتمثل بالقدرة القياسية التي تمكّنت خلالها شرطة دبي من كشف تفاصيل الجريمة، بالصورة الموثقة، ما خلط الأوراق من جديد.
الجانب الأهم في المفاجآة، ما يتجاوز المهارة الفنية والبشرية لشرطة دبي وعامل الوقت القياسي لاكتشاف التفاصيل، هو وجود "قرار سياسي" جريء للإمارة الصغيرة برفض الضغوط المختلفة التي مورست عليها لتجنّب كشف الأسماء والصور، وفضحها على الملأ، بخلاف الحسابات التي وقفت وراء العملية وحكمت الاحتمالات التي بنيت عليها.
في اليوم التالي، تحوّل "انتصار الموساد" إلى فضيحة وأزمة سياسية حقيقية لإسرائيل مع الدول التي تمّ تزوير وثائقها ، واختلف تقييمها جذرياً، والأكثر حرجاً فيها إذا ما ثبت ما ذكرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أمس، بأنّ الفلسطينيين، اللذين سلّمهما الأردن لدبي، هما من المحسوبين على الزعيم الفتحاوي محمد دحلان، إذ إنّ ذلك يعزز من رصيد حماس ومصداقيتها.
في المقابل، لا يمكن القول إنّ تورط عناصر من السلطة الفلسطينية في هذه العملية يعني مسؤولية رسمية أو إدانة لكل القيادة السياسية. لكنّ ذلك يعكس ما هو أخطر وأكثر حرجاً، ويعزز سيناريو تفكك حركة فتح والانهيارات المتتالية التي تمرّ بها، وتعدد ولاءات ورهانات الشخصيات المفتاحية فيها.
في داخل حركة حماس، أيضاً، هنالك لجان تحقيق للبحث عن مصدر الاختراق الأمني وطبيعته، ومدى خطورته. ثمة قراءتان لدلالة العملية وخطورتها. الأولى تضعها في سياق الاستراتيجية الإسرائيلية المتّبعة ضد قادة حركة حماس وأعداء إسرائيل، وتقوم على تصفيتهم جسدياً، كما حدث في مرّات سابقة.
أمّا القراءة الثانية، فتضع العملية في سياق عمليات التسخين والإحماء المرتبطة بالأزمة الإقليمية وتطوراتها الخطرة الأخيرة، على خلفية البرنامج النووي الإيراني وانسداد آفاق التسوية السلمية، والتلويح بخيارات عسكرية إسرائيلية وأميركية تجاه إيران أو حماس أو حزب الله.
وفقاً للقراءة الثانية، التي تحملها مؤشرات ومعطيات مختلفة، فإنّ عملية المبحوح بمثابة جزء من اللعبة الأمنية الإقليمية و"جس النبض" المتبادل بين أطرافها الرئيسيين، إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران وحزب الله وحماس وسورية من جهة أخرى.
في السياق نفسه، وضمن "اللعبة الأمنية الإقليمية" الجديدة، وما ينبثق عنها من رسائل سياسية تشي بمدى قدرة أي طرف من الأطراف الفاعلة، يمكن أن نضع عملية اغتيال عالم نووي إيراني في عقر داره، والاختراقات الأمنية التي حدثت في دمشق، و"عملية العدسية"، التي استهدفت موكبا للسفارة الإسرائيلية في الأردن، وما ينسب لحزب الله من خلايا إقليمية في دول الاعتدال العربي، ومن ضمنها القضية المعروضة على القضاء المصري حالياً.
من الطبيعي أن يقترن التفكير في البدائل والخيارات الأميركية والإسرائيلية لمواجهة انسداد التسوية وعناد إيران برفع وتيرة الاستعداد الأمني المتبادل، وأن تكون هذه العملية جزءاً من مسلسل أكبر، لم نصل بعد إلى أحداثه الدرامية.