تركزت تعليقات القراء ، المكتوبة منها والشفهية ، حول ما كَتَبت خلال الأيام القليلة الماضية ، عن احتمالات الحرب المقبلة وطبيعتها وميادينها وأطرافها ، وما قد يصاحبها أو يمهد لها من صفقات وتسويات ، أقول تركزت هذه التعليقات حول سؤال واحد رئيس: هل الحرب باتت وشيكة ، أم أننا أمام "مسرحية" معدة سلفا ، أبطالها الأساسيون في واشنطن وطهران ، فضلا عن جيش من "الكومبارس" يمتد على مساحة العواصم ذات الصلة؟.
والحقيقة أن طرح السؤال على هذا النحو ، يخفي شكوكا عمقية تعتمل في صدور "طارحيه" سواء حول موقع إيران وموقفها مما جرى ويجري ، أو حول مواقف واشنطن المعلنة ونواياها المضمرة ، فالسؤال يحمل جوابه في طياته وثناياه.
بعض التعليقات أخذت على إيران نفاقها وازدواج معاييرها ، وهو المأخذ ذاته الذي طالما سجّل على السياسة الأمريكية في المنطقة ، وهناك دائما من يسألك: إن كانت إيران حقا تناهض السياسة الأمريكية ، وتعتبر واشنطن عدوا و"استكبارا عالميا" ، فلماذا سهّلت عليها احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين ، ولماذا ساعدتها في احتلال أفغنستان وإقصاء نظام طالبان عنها؟.
القاعدة الذهبية الدارجة في تفسير الموقف الإيراني المزدوج تنهض على مقولة "عدو عدوي صديقي" ، ومن وحي تأويلاتها وتفسيرات ، تنسج قصص وروايات عن "التحالف الأمريكي - الإيراني" ، ويتحول الصراع الدولي المحتدم حول إيران وبرنامجها النووي وأطماعها الإقليمية ، إلى ما يشبه "المسرحية" المعدة جيدا من حيث النص والإخراج والتمثيل ، فهل هذه هي الحقيقة ، هل حقا أن ما نشهده من عمليات بناء لسيناريوهات الحرب والتصعيد وبناء القوة العسكرية في الخليج وعلى أطراف ، ومن استنفار إسرائيلي واستعداد غير مسبوقين ، هو بمثابة فصول ومشاهد من مسرحية افتراضية ، أم أن ما نسمعه هو طبول الحرق ، وقد بدأت تقرع بقوة فعلا ، فأن يختلف لصان على أحقية أي منهما في سرقة بيتي ، لا يجعل أيا منهما صديقا لي ، وفي السياسة الدولية أمثلة ونماذج فنّدت القاعدة الدارجة ، وأثبتت أن "عدو عدوي قد يكون عدوي أيضا" فالصين في الحرب الباردة كانت عدوا لعدو الولايات المتحدة: الاتحاد السوفياتي ، بيد أن ذلك لم يجعل منها صديقة لواشنطن ، زعيمة الغرب الرأسمالي.
لقد وفرت الولايات المتحدة لإيران في الأعوام القليلة الفائتة الفرصة لإلحاق الهزيمة بعدوين رئيسين لها شرق البلاد وغربها ، ومن دون أن تريق قطرة دم واحدة ، أو تطلق رصاصة من بندقية أو مسدس ، بيد أن ذلك لم يجعل من واشنطن صديقة لإيران ، وظلت الأخيرة تنظر لما حصل على حدودها ، بوصفه "بروفة" قابلة للتكرار على الساحة الإيرانية ، أو على ساحات صديقة لإيران: سوريا على سبيل المثال ، وهذا ما كنا نلمسه وما نزال ، في مجمل السلوك السياسي والأمني والاقتصادي والعسكري والتسليحي لإيران وأصدقائها في المنطقة ، وهذا ما نلحظه أيضا في كامل استراتيجيات الدول المناهضة لإيران ، من حلف الاعتدال مرورا بواشنطن وعواصم الغرب وانتهاء بإسرائيل.
الخلافات الإيرانية - الغربية (الإسرائيلية خصوصا) خلافات عملية ومتشعبة ، وهي أبعد ما تكون عن "المسرح" و"التمثيل" ، فهناك البرنامج النووي المرشح لأن يكون عسكريا ، وهناك دور إيران الإقليمي المتزايد وتحالفاتها مع فصائل المقاومة ، وهناك التدخلات الغربية في الشأن الإيراني الداخلي ودعم دول غربية عدة لحركات قومية انفصالية وسياسية معارضة ، بما في ذلك دعمها لفصائل مدرجة على قوائم الإرهاب السوداء ، وهناك وهناك وهناك.
والأهم من كل هذا وذاك ، أن الاستعداد للحرب والمواجهة ، قد قطع شوطا بعيدا ، من حشد السفن والأساطيل ، إلى ترحيل الأهداف إلى "بنك المعلومات" و"خرائط العمليات وإحداثياتها" ، فضلا عن التوطئة القانونية والسياسية والدعائية التي لم تتوقف للحظة ، وبصورة لا تبقي مساحة "للعب أو التمثيل" وخلاصة القول ، بأن الحرب على إيران ليست خيارا لا مندوحة عنه ، أو قدرا لا راد له ، بل احتمال من بين احتمالات ، وربما يكون احتمالا مرجحا ، خصوصا إن ظلت الدبلوماسية على انحباسها وانسداد آفاقها ، وهي إن وقعت ستكون كارثة على الإقليم بأسره ، الذي لم يبرأ بعد من جراح وحروق حروبه السابقة.