تصحو كل صباح ، تخرج الى عملك ، وتقلب في الطريق مؤشر الاذاعات ، فتسمع اغاني توتر اعصابك في هذه الصباحات ، وكأننا على وجه حرب كونية. اغانْ تسمى "وطنية" ، وتغيب عنها الرأفة بنا ، في هذه الصباحات.
كأننا على مشارف حرب. في الاذاعات ومحطات التلفزة ، انهمار دور رقابة لاغانْ سيئة تهدد وتتوعد بفصل الرؤوس عن الاجساد وفصفصة العظام والخنق والشنق. كل هذه الرقة التاريخية في مكان عظيم مثل الاردن ، تولد على يد لحامين وموظفي مسالخ ، اغانْ واشعار لا تليق بهذا البلد واهله. الاردنيون الذين يسامحون في الدم مقابل جاهة كريمة ، وفنجان قهوة ، ويتسامحون مع العدو وغير العدو يتم تقديمهم اليوم في الاغاني التي تفيض غضبا وكراهية باعتبارهم قتلة. هل هذا يليق بنا؟ واين هي الحرب التي يتم التحشيد لاجلها ومع من؟ ولماذا يكون مطلوبا ان يبقى الاردني مشدود الاعصاب متوترا منرفزا ، مشحونا ، ويده على السكين والزناد ، وكأن موقعة او غزوة ستقع فجأة.
اين هي الاغاني الوطنية التي نحترمها. تستمع الى "فدوى لعيونك يا اردن": فتلمس الجمال وفيض الحب في كلمات وطنية بحق. تستمع الى اغانْ غنتها فيروز ونجاة الصغيرة عن الاردن ، فتعرف الفرق بين الاغنية الوطنية التي تجعلك تحب بلدك وتفخر به ، دون ان تكره احدا اخر ، او تبث ثقافة الحرب والتحشيد والغضب ، في مجتمع يكفيه ما فيه من قصص ومشاكل وشحناء ومصاعب اقتصادية.
اين هي الجهات التي تقرر بث هذه الاغاني او عدم بثها ، حتى وصلنا لزمن باتت فيه لكل مؤسسة اغانيها ، ولم تبقَ الا دائرة الارصاد الجوية لتبث اغنية لها. ولو كنت شاعرا من شعراء الطلبيات السريعة على الطريقة الامريكية لقلت بشأن الدائرة "يالارصاد يا جوية.. منخفضاتك ثلجية ومائية.. شتاها في ايار ، وصيفها هدار ، يالارصاد يا جوية ولا يهمك المواقع الالكترونية.. منافسين وهواة.. انت بس عشق عينية". بهذه الطريقة يمكن اعداد اغنية للارصاد في خمس دقائق ، وانزالها على رؤوسنا ايضا صباحا او مساء.
في تفسير لعالم اجلّه واحترمه يقول ان ثقافة الحرب مع عدم تحديد العدو او الشخص الذي سنحاربه تؤدي الى شحن الناس بشحنات غضب يومية ، تكون احد اسباب انفجار المشادات الفردية والجماعية في البلد. اذ ان كل اعلامنا يبث غضبا في غضب ، ويعلن عن حروب غير موجودة او حروب محتملة ومتوقعة ، وحين لا يجد الانسان شيئا من هذا القبيل تبقى في نفسه ظلال البحث عن حرب صغيرة ، فيتفجر غضبا في وجه من يقول له السلام عليكم ، بسبب او دون سبب. التفسير مقنع: فنحن نحقن العصب العام لشعبنا كل صباح ومساء بكم هائل من الاناشيد الهستيرية الحافلة بالتهديد والوعيد والقتل والسلخ.
اين الاغاني الوطنية المحترمة التي تسمعها وتبث في قلبك الحب والعطف وعشق الوطن واهله بحق ، دون توتير للاعصاب ، وكي لوجداننا ، اين هي الاغاني التي تجعل صباحك او مساءك بطعم السكر والعسل. يكفينا ما نحن فيه من ضيق. هل فوق الضيق يتم تحفيز اعصابنا لحروب وكوارث وقتلى ، مع عدو لم يتم تحديد عنوانه حتى الان.
هذه اغانْ تجارية هابطة ، الا ما ندر من اغانْ تفيض عشقا للاردن واهله وعرشه.
"فدوى لعيونك يا اردن".. اجمل الكلام وألطفه وأرقه حقا.