زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين- «سمعنا لهجة مختلفة قليلاً.. أنتوني بلينكن يطور موقفه.. نسمع بعض الكلام الجديد لكن الإجراءات والخطوات التنفيذية حتى الآن بعيدة». هذا هو الانطباع الأعمق في عمان مباشرة بعد استقبال وزير الخارجية الأمريكي ضمن جولته الأخيرة، فيما وزير الخارجية أيمن الصفدي يواصل الاشتباك مع «كل التفاصيل» ويبلغ مجدداً بإطار ثابت للأولويات كما يراها الأردن».
الوزير بلينكن في آخر زيارة له للعاصمة الأردنية، سمع سؤالاً مباشراً في القصر الملكي: تريدون حل الدولتين وتتحدثون عنه.. حسناً، لماذا لا تتخذون الإجراءات التي تنسجم مع ذلك؟ أغلب التقدير أن بلينكن «لم يعلق».
تصريح بلينكن ظهر الثلاثاء عن «خمس دول وافق زعماؤها» في جولته الأخيرة على المشاركة في «رسم مسار مستقبل غزة» سجل بعض المفاجآت في عمان على الأقل، فهو تصريح «غير متفق عليه تماماً» وقد «لا يعكس ما عرضه الوزير الأمريكي أو حصل بدقة».
عمان لا تريد معاكسة اتجاهات الإدارة الأمريكية ما دام بلينكن قد استعمل لأول مرة عبارة «على القتال أن يتوقف في أسرع وقت ممكن» قبل أن يعاكسه جون كيربي مسؤول مجلس الأمن القومي في تصريح اعتبر فيه أن وقف الحرب الآن من مصلحة حماس، وواشنطن ترفضه.
«أفكار بلينكن» تضمنت الحديث عن موافقة كل من الأردن والسعودية والإمارات وتركيا وقطر «على دور غير معروف» في مستقبل غزة.. تركت الأفكار كما هي، ومسؤول أردني بارز أوضح لـ «القدس العربي»: يقول بلينكن ما يشاء.. لكنه لم يتقدم بـ «خطة شاملة» حتى لما تحدث عنه، وما سنفعله مرحلياً.. «لن نجلس، لكن سننتظر».
لهجة بلينكن الناعمة
تعدّ لهجة بلينكن الناعمة أو الأقل تشنجاً مؤخراً مرصودة في الحساب الأردني، لكنها ليست بديلاً بكل حال عن «شمولية المعالجة». وفي الإصغاء للتصورات والسيناريوهات علق رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أمام «القدس العربي»: الشمولية والضمانات والرقابة على التفاصيل والإجراءات، ثم تفحص أخطاء الماضي… تلك عناصر أساسية اليوم في ذهن الاشتباك الأردني.
أولويات الأردن متعددة ومتشابكة الآن وعلى رأسها «وقف العدوان» لكن عمان الرسمية وهي تستقبل ظهر الأربعاء «قمة ثلاثية طارئة» بحضور الرئيسين عبد الفتاح السيسي ومحمود عباس، «بدأت تطور في لهجتها» وتركز على «بعض التفاصيل» وأهمها أن الأردن لا يطالب بـ «وقف العدوان فقط» بل الحديث عن «وقف العدوان فوراً وبأسرع وقت» ثم إدخال أكبر كمية ممكنة من المساعدات لإقناع أهل غزة بأن المجتمع الدولي «يتفاعل مع معاناتهم» لضمان «إيجابيتهم» تجاه أي «مسار سياسي» لاحقاً. بعد ذلك فوراً وبدون تردد «تأطير ومأسسة عملية إعادة العمران» ثم الانتقال لما هو «أهم بكثير» برأي الدبلوماسية الأردنية، وهو «خطة شاملة وكاملة وبدون عراقيل، وجدية حسم الصراع بتسوية نهائية على أساس الحق الشرعي للدولة الفلسطينية» وفي الأثناء هندسة وإحياء «المؤسسة الفلسطينية الشرعية» بالتوافق.
عملياً، يحتفظ الأردن ببعض التفاصيل لـ «توقيت أفضل».. «ولا بد من توقيت أنسب للتحدث عن بعض الأشياء» هذا ما قاله وزير الخارجية أيمن صفدي لـ «القدس العربي» مؤخراً وهو يشرح بعض تفعيلات الاشتباك مع «التحديات والأولويات».
مسؤول أردني بارز: لم يتقدم بخطة شاملة و«لن نجلس… لكن سننتظر»
والفكرة في أقرب مسافة من دوائر صناعة القرار أن فكرة الدعوة فقط لوقف العدوان بدون إكمال بقية أسطر النص ستكون «عبثية».. سمع بلينكن في الأردن رأياً مباشراً يبلغه بما يأتي: إذا لم تقف الولايات المتحدة بجدية الآن بعد وقف العدوان على مشروع متكامل في الملف الفلسطيني، سيعني ذلك العودة إلى «العبث مجدداً» بعد عامين أو 3 أعوام.
سمع بلينكن مسؤولاً بارزاً في عمان يهمس في أذنه: إذا لم تحل الأمور الآن في ظل وجود حماس، فستواجهون بعد 3 سنوات من هو أخشن وأغلظ وأقسى من حماس والجهاد الإسلامي.
وفي منطقة أقرب لهذا التفكير «العملي» سمع السياسي المخضرم طاهر المصري على هامش مناقشات حيوية، رأياً يشير إلى أن المؤسسة الأردنية لديها تقدير مسبق بأن حركة مثل حماس «تتفهم ما سيحصل لاحقاً» وتعلم مسبقاً بأن مشاريع إعادة الإعمار بصورة خاصة «لن تبدأ» إلا إذا ابتعدت حماس قليلاً عن المشهد.
مسافة الأمان المفترضة؟
في الدوحة كان قياديون في حماس يستفسرون من شخصيات أردنية زارتهم: إلى أي حد تقترحون علينا أن نبتعد؟ ما هي مسافة الأمان المفترضة؟
ثمة شعور يتراكم وسط قادة حماس بأن ملف «إعادة الإعمار» سيتم عرضه بصيغة «ابتزاز» المقاومة؛ لذلك قرر الناطق الرسمي أبو عبيدة في خطابه قبل الأخير الإشارة إلى المسألة: «سنعيد إعمار غزة ونتقاسم الكلفة واللقمة مع شعبنا».
في عمان يقال في الأوساط المرجعية: عند الوصول إلى جزئية إعمار القطاع، تعلم حماس أن أحداً في المجتمع الدولي لن يدفع دولاراً واحداً ما دامت حماس في السلطة.
المفاجأة كانت على لسان مسؤول بارز في عمان أبلغ «القدس العربي»: الإخوة في حماس يتفهمون ذلك، وعلى الأرجح «يتقبلونه». وإسماعيل هنية عندما التقته شخصيات أردنية بحضور «القدس العربي» الشهر الماضي، فهم منه ضمناً أن قيادة الحركة لن تعارض أي طرف عادل يريد تدشين إعادة الإعمار، لكن على هذه المسألة أن لا تسيس أو تخضع لمقايضة.
عودة لاستفسار حماس: إلى أي مسافة يقترح علينا الأشقاء الابتعاد؟
ثمة جواب في عمان له علاقة حصراً بالتصور الأردني، وفكرته أن إلغاء حماس وشطبها مسألة يتجاوزها أي تفكير سياسي عاقل وراشد الآن، وأي دور مستقبلي لكل الفصائل ينبغي أن يولد ويبرز ويتمأسس ضمن «هندسة مشهد إعادة بناء الشرعية الفلسطينية».
الترجمة الحرفية لهذا الطرح كالآتي: على حماس «إخلاء مواقعها» وليس سلاحها في مرحلة انتقالية تحت بند إعادة الإعمار لصالح «وزارة تكنوقراطية ما» ثم يمكنها العودة أو التسلل إلى مشهد إدارة الدولة الفلسطينية مستقبلاً عبر «هرمية منظمة التحرير».
ذلك كانت تتحفظ عليه أوساط القرار الأردني، لكن مؤخراً بدأت تصغى إليه بعد بروز «هجمة سياسيين» أردنيين بالمئات شاركوا في التوقيع على «مبادرة مثيرة ومهمة» فكرتها «إحياء منظمة التحرير وضم فصائل المقاومة إليها وإجراء انتخابات». فجأة، أصبحت الفكرة ـ نقصد منظمة التحرير ـ قابلة للنقاش في عمان بعد مواسم كاملة من الحديث حصراً عن «شرعية تمثلها السلطة». ومؤتمر العقبة الثلاثي الأربعاء يبدو أن من بين أهدافه «تجديد المعطيات والمعلومات» عند الرئيس عباس، وإبلاغه بوضوح أن عملية «تجديد السلطة» حتى تصبح مؤهلة للمرحلة اللاحقة، يفضل أن تحصل تحت لوائه وبقيادته.. «هذا حصرياً ما سمعته شخصيات سياسية متعددة مؤخراً في لقاءات بالمؤسسات السيادية الأردنية».
«القدس العربي»