ليس العام 1905 ببعيد عن واقع الدبلوماسية اليوم في حق غزة، فها هي الرواية الأوروبية «دون كيشوت» التي صنفت بأولى الروايات الحديثة متعددة الألحان حينها تعيد أجواء وغايات كتابتها وكأنها تحاكي واقع الدبلوماسية التي نعيشها تجاه غزة، رواية عالمية كتبت في السجن وطبعت على عجل وانتشرت بسرعة تجعلني أشك أن كاتبها دبلوماسي من أصول عربية فيما نعيشه وإن كانت في الحقيقة غير ذلك فهي للأديب الإسباني ميغيل، رواية بجزأيها كانت بين من يراها عملا ترفيهيا كما هي الحياة لدى بعض الدول خلال العدوان على غزة وبين من يراها عملا هجائيا يحاكيه كثير من أصحاب الخطاب من عاش القصة فارسا يناطح طواحين الهواء ويعيش ما صدقه عقله لروايات وقصص غير واقعية ليلحق أحلام الفروسية فعلا وتصريحا.
أحيانا كثيرة أشعر أن الدبلوماسيين في أغلبهم هم الأفضل فيمن يقع الوصف بحقهم « كذب كذبة وصدقها»، نعم ففي بعضهم تشعر أنهم يناطحون طواحين أميركا والعدو الصهيوني بألفاظ الفارس، ويقابلونها بفعل حارس البوابة الذي غفل عن المدينة، في الدبلوماسية أيام تمضي لا تعلم من أفعالها غير الطرب والغناء والبطولات الدينكوشوتية.
في الدبلوماسية هشاشة القرار وفيتو الظلم الأميركي وقصور توجيه فعل ودرء عدوان، في الدبلوماسية نرى «الونسو» في شخصيات كثيرة تمتطي صهوة المايكروفونات تشبعنا مراجل، وقلب أكثرهم كفعله مكشوف لمحارب مهزوم يمتطي فرسا هزيلا، في الدبلوماسية بحق غزة نشهد كل يوم بطولات عدد من الحمقى ممن ظنوا أنفسهم في مهمة مقدسة، يشبعوننا ردحا غير موزون وغزوا بدون غنيمة، في الدبلوماسية انهزام في الموقف الواحد إلا من رحم ربي، في الدبلوماسية عاشت غزة التبعية والانقياد المتواصل للمصلحة الفردية في عالم يسير خلف مصالح دول وقوى عظمى في الاتجاه والقرار.
لكن أردنياً، جهود واتجاهات الدبلوماسية واضحة، سياسة وقرار مكتمل الأركان والمعايير، دبلوماسية برزت في تحرك ملكي مستمر عالي المستوى والهمة وخطاب سياسي قوي، وتجهّم في وجه ازدواجية العالم المتردد سواء عربيا أو غربيا أو أميركياً، أردنيا أصاب خطاب وزير الخارجية الصريح المباشر الاحتلال الإسرائيلي في مقتل وأوجع مفاصلهم، أردنيا تحرك الشارع وانتفض بحرية لأجل غزة، أردنيا الدم والمشاعر والفعل موحد نحو غزة والقضية الفلسطينية، أردنيا الدبلوماسية مستمرة كما بدأت لمصلحة القضية الفلسطينية منذ أول الاحتلال الغاشم ولن تتراجع.
اليوم الدبلوماسية الأردنية إلى جانب قلة من العرب تؤمن بفشل مجلس الأمن في تحمل مسؤولياته مقابل ما تعيشه غزة من أحداث عنيفة، اليوم جهود أردنية كبيرة تبذل نحو تقوية وجمع لغة وقرار المجتمع الدولي نحو الموقف الأردني بحق جرائم ترتكب في غزة، اليوم الأردن هو خير من يقود الجهود العربية والإقليمية والدولية في هذه المنظمة العالمية وبصورة هي الأقرب والأكثر فاعلية نحو تحقيق المطلوب، فهل يؤمن من حولنا أو حول حولنا أننا صمام الأمان ومستقبل المنطقة؟