حوالي 4 أشهر داميات، غارقات بالمفارقات، كاشفات فاضحات للمواقف، انطلقن على دماء وأشلاء وجوع أهل غزة الأبرياء، ومن فوق ركام بيوتهم، والعالم سادر في مشاهدة فصول الجريمة، بلا أدنى إحساس بالمسؤولية ولا حتى بنظافة المواقف والأفكار، وذلك بالنسبة لعالم يحكم ويرسم في العرب ومصيرهم، ويقدم لنا دروسا من النفاق والكذب والتناقض، في العدالة والديمقراطيات وسائر الحقوق والحريات، والذي يعاني ويصبر ويموت وتتعطل حياته، هم العرب، بعد الفلسطينيين، وبعد فلسطين الضحية، يأتي الأردن؛ الذي ما زال من بين أكثر الدول صبرا وحذرا وموضوعية، ونشاطا وتأثرا وثباتا، وما زال يغرق في تحديات نوعية، لا تنتهي، سببها موقفه وموقعه ..
داخليا؛ وكالعادة، ثمة تحد أزلي في الأردن، لو ترك وشأنه، فسوف نغرق في مشاكل أمنية وهي بالتأكيد ستتطور سريعا ويتسلل منها كل أنواع الأخطار، التي لا تصمد أمامها الدول العظمى، فمن بيننا، ومن أرضنا، يجتهد المجتهدون، الذين أصبحت لديهم مهارة متطورة جدا، ويمكنهم أن ينحتوا الشعارات والأسباب حول كل حدث في العالم، ليصبح أردنيا، سياسيا وأمنيا، وبقدرة قادر، يتحول إلى شعارات في الشوارع وعبر الشاشات، يتقصى الشعبويات، ولا أهداف أخرى غيرها، وللمرة المليار، ننشغل بهؤلاء «العمال المهرة»، ويستولون على جهود الإعلام والدولة ومساحات التعبير التي لا تخدم قضية ولا تحل مشكلة، ولست أدري هل يمكننا أن ننتقد هؤلاء مجرد انتقاد، ونسلم من تهمهم لنا، باللاوطنية، وربما بالكفر؟!.. متى تتغير طرق تفكيرهم، ولماذا لم يفهموا بأنهم بهذا الأسلوب من «الكفاح الوطني»، إنما هم يشعلون الحرائق ويقوضون مستقبل وحاضر الدول، والشواهد كثيرة ولا تنتهي، ولا تزول إلا بزوال هذا التفكير.. الله يهديهم.
وعبر الحدود؛ تنشط الهمم المتخصصة بعبور الحدود، وزراعة المشاكل الأمنية، وتستنفد جهدا سياسيا وأمنيا، وتعطل الاقتصاد وما ارتبط به، وأجندتها أيضا ثابتة، وهي ترويج المعارك والحروب الجانبية، ومطاردة أمن واستقرار ومستقبل الدول، بأدوات الجريمة ذاتها (أسلحة ومتفجرات، مخدرات، عمالة مع محترفين، مهنتهم وعملهم اليومي ينحصر بتجارة الدم وخدمة مكاتب الاستخبارات والعصابات، وبلا مقابل أحيانا).
أما بعد الحدود؛ فثمة سلسلة من التحديات، تتربص كما الوحوش الجائعة في غابة مظلمة، من بينهم من يريد للأردن أن يقع في الأخطاء السياسية الكبيرة، ومن بينهم من يتربص كل الشر بقيادة الأردن نفسها، وثمة العدو المعروف، الذي لم يخف يوما رغبته بحل قضية الفلسطينيين على حساب الأردن، بل والتوسع أيضا على حساب أراضيه، ومن بينهم كذلك؛ دول، ترغب بالتحلل من التزامات تاريخية كثيرة تجاه الأردن، بعد أن قطع الأردن معهم مسافات وتبنى مسارات لا يمكنه العودة عنها، لكن السياسة العالمية لا ضمير فيها، وحين يضعف أحد أطرافها تصبح مسالة التخلص من هذا الطرف أو ذاك، أقل كلفة من الالتزام معه، وهذا ما لا يفهمه كثيرون من «أطراف المعادلة السياسية الداخلية»، ويفهمه بالمقابل كثير من الأطراف الخارجية التي تريد الظفر بدور الأردن، وإلغاء تاريخه وحتى موقعه الجغرافي..
هذه بعض الملامح التي تصف نوع وشكل القضايا التي تشغل بال الذين يفكرون بالأردن كدولة، وهي ملامح لقضايا يسهر بعضنا على زيادة الخطر فيها ومنها، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل دوما: هل يعتبر هؤلاء الأردن دولتهم ووطنهم الذي يستحق الدفاع عنه، والحذر على أمنه، والتشكيك بنوايا كل الآخرين الذين يتصيدون زلّاته وتحدياته ؟!.
القوم يريدون التجاوز عن أولويتك بالطريق، حتى لو لم يكونوا ينظرون إليك مباشرة، فهم يعلمون بوجودك، وأنك تقود سيارتك بجوارهم أو أمامهم أو خلفهم، لكنهم يلوذون بالتظاهر بالغباء والعمى، وحين تحدثهم، يدعون الصمم أو يطلبون ترجمة.. ويزاحمونك يريدون التهام الطريق كله.