أزمة وعدوان وحرب بحجم ما يجري في غزة تركت وتؤثر في بعض تفاصيل الدول وأولوياتها وخاصة أن خريطة المواقف خلال هذه الازمة الكبرى لم تحتو انقساما في الموقف من حماس أو الموقف مما بعد انتهاء الحرب بل كانت هناك خرائط فرعية لبعض الدول مختلفة عن دول أخرى واتحدث هنا عن الدول العربية بشكل عام او الدول العربية المحيطة بفلسطين اوحتى دول الإقليم.
ومؤكد أن أي دولة من دول الإقليم ستقف مع نفسها بعد انتهاء الحرب وتقيم ما جرى وماذا كسبت وماذا خسرت، وما هي حدود مصالحها التي تضررت اوالمصالح والاولويات الجديدة التي ظهرت خلال اشهر الازمة.
لم ينته العدوان على غزة لكن ملامح القادم بدأت تظهر حتى وان كانت في بداياتها، لكننا قد نكون بشكل مفاجئ امام لحظة نهاية العدوان العسكري وبداية مرحلة سياسية نتمنى ان تكون عدوانا سياسيا.
نحن في الأردن كنا في تفاصيل الازمة ليس بحكم الجغرافيا والديموغرافيا فقط بل لأن الرؤية الأردنية للعدوان كانت ترى فيه مشروعا سياسيا لتصفية القضية الفلسطينية، وكانت المخاوف وما تزال حاضرة حتى الآن، وكنا في الأردن هدفا للتشوية من جهات داخلنا وخارج حدودنا، وحاول البعض داخلنا الاستقواء على الدولة وتحويل الازمة الى مكاسب سياسية لفئة هنا او هناك.
تجربة أشهر العدوان الذي ما يزال مستمرا كانت وما تزال صعبة علينا، فإسرائيل لم تترك فرصة تؤكد فيها حقدها على الأردن ومواقفه، ورغم وجود تيار داخل الاحتلال يرى مصلحته في علاقة هادئة مع الأردن، إلا أن الروح التي يتم التعامل فيها مع الأردن عدائية.
وعلى حدودنا الشمالية كانت الميليشيات الطائفية تنفذ توجيهات سيدها الايراني في استهداف الأردن، وما يزال الخطر قائما وإن كانت الردود الأردنية الحازمة عسكريا ستترك أثرا في تفكير عصابات التهريب وميليشيات الارهاب الطائفية.
وعلى حدودنا الشرقية مع العراق كان هناك محاولة خبيثة وإن كانت بائسة من ميليشيات إيران لإقامة تجمع قرب الحدود العراقية مع الأردن، والمبرر الانطلاق نحو فلسطين تماما مثلما كان شعار الخميني عندما جاء بأن طريق القدس تمر عبر بغداد، لكن بغداد سقطت واكتشفنا انها طريق نحو سورية واليمن ولبنان..
فترة العدوان على غزة لم تكن سهلة على الأردن، وتقييم اداء تفاصيل الدولة بما فيها القوى السياسية، وايضا تقييم مسار الإقليم وحتى العلاقة مع الولايات المتحدة، يضاف اليها محاولات الاستهداف من الشمال، كل هذا عند التقييم سيضعنا امام حقائق قديمة متجددة وأمام دروس نحتاج لاستيعابها، وأمام خطوات كبرى تحتاج الدولة ان تقوم بها في قادم الشهور.
ولعل ما نحتاجه في وقت نتمنى ألا يكون بعيدا، حديثا اردنيا داخليا يلخص للأردنيين ما جرى، وتنصف به الدولة نفسها، وتضع ما أمكن من المعطيات امام الناس، حديثا يكون بوابة لمرحلة جديدة تعيد الأوزان الحقيقية لكل شيء وجهة عاشت مراهقة أو أوهاما، ونؤكد للأردني الحريص على بلده معالم طريقنا الآمن نحو القادم.