لا أدري من هي الجهة المعنية بمتابعة الكثير ممن يسمون بالمؤثرين المحليين عبر مواقع التواصل الإلكتروني وخاصة عبر منصة تيك توك، الذين يواصلون الليل بالنهار في بثٍّ مباشر لا يتعدى محتواه هذه المواضيع: إما فتنة وجهوية ونشر للكراهية والضغينة، وإما شتائم وردح، وإما محتوى تافه لا يقدم أي شيء للمشاهدين، لكنه يزيد من العائد في جيوب من يستغفلهم، وهو نفسه يتم استغفاله واستئجاره لصالح حساب تيك توك حيث العائد المجزي للمنصة مما يسمى بالدعم من الداعمين، وهذا مصطلح إلكتروني تم استعارته بدلا من مصطلح الاستغفال للمتابعين وخديعتهم بأن يقوموا بدعم المؤثر مالياً، حيث أصبحت منظومة متكاملة مختصة بكيفية شفط الأموال من جيوب المتابعين. فيما يحصل المؤثر على نسبة ضئيلة من العائد المجني، لكنها قد تكون مرتفعة جداً قياساً للمستوى المادي الحقيقي للمؤثر.
نعم هناك أفراد دخلوا المنصة وهم لا يمتلكون أجرة ركوب الحافلات، أصبحوا الآن يركبون أحدث السيارات ولديهم أرصدة بنكية وشقق فاخرة تدلل على أن العائد رغم ضآلته قياساً للمردود، فهو كافٍ لانتشال هؤلاء من طبقةٍ إلى طبقةٍ دون أن يبذلوا أي جهدٍ عدا محتوى تافه ولايف ومتابعين داعمين.
لقد شوهوا وجه الوطن من خلال طريقة خروجهم عبر البثوث، وما يتم من رداءة محتوى وانحطاط في الممارسات وتهاوٍ في اللغة، وانحدار في القيم والأخلاق.
هناك من أصبح مندوب دعاية وإعلان ليس عن اختصاص ولا عن مهارات، إنما فقط تبعاً لعديد المتابعين له، ويواصلون بثهم لسلع ومنتجات غير مضمونة الجودة والسعر وحتى المصدر لها. هؤلاء انتشروا كالنار في الهشيم، فتجد أن بعضهم أصبح يجني أموالاً طائلة من تلك البثوث والدعاية.
هناك من يخرج هو وزوجته في بثوث يستخدمون فيها الخداع والخبث والتلاعب في مشاعر وعقول المتابعين، والهدف فقط أن يحصلوا على دعم من داعم رئيس وكبير لينتهي البث على ذلك.
هناك من يزعم أنه سيطعم الفقراء ساندويشات بعدد معين شريطة أن يتبنى ذلك داعم أو داعمين، ويلتف حوله عديد من الأطفال الذين يصورهم على أنهم جوعى بانتظار الحصول على الساندويشات.
ولا أدري كيف يمكن قبول مثل هذا التسوّل الواضح الفاضح المعيب في بلدٍ تستضيف فيه ملايين اللاجئين الذين لاذوا إلينا هرباً من حروب أو من فقر.
هناك من يضع أمامه طعاماً بسيطاً بزعم أنه لن يأكل هذا الطعام إلا بعد أن يتلقى دعماً برقمٍ يقوم هو بتحديده.
هناك من يجلس في خيمة ويضع أقدامه في الماء بذريعة أن مياه الأمطار داهمت خيمته، وأنه لا حول له ولا طول وينتظر دعم الداعمين.
أما تلك الفتيات التي تملأ التيك توك من مختلف الجنسيات، واللاتي تظهر الواحدة منهن شيئاً من مفاتنها أو أجزاء من جسدها أو حتى صورة أو تتظاهر بالوقوف أمام المجلى في المطبخ وتعطي ظهرها للمتابعين، فهذه حكاية لوحدها تدلل على حجم الهوان والرداءة والانحطاط الذي وصل الحال إليه.
لا بد من جهة أو جهات مختصة تراقب وتحاسب كل هؤلاء الذين يصورون الوطن بصورةٍ مشوهةٍ لا تعبّر عن حقيقة وواقع مغاير تماما.
لم يعد معقولا أن نظل طيلة يومنا تصفع وجوهنا في هذه المشاهد، وأن تنحصر عقولنا ومشاعرنا بين بث لفتنة وكراهية، أو لتسوّل معيب مهين، أو لمحتوى سفيه تافه، أو لانحطاط قيمي أخلاقي غاية في الإسفاف والدناءة.