زاد الاردن الاخباري -
في المُفتتحِ فقد علمَ الأكثرون من أصدقائي في الواقع وفي العالَمِ الافتراضيّ أنّني ما كنتُ مَدّاحاً لوزيرٍ أو مديرٍ ، بل لقد علموا أنّني كثيراً ما انتقدتُ سياساتِ بعض الوزارات وخاصةً الإعلام والثقافة ، وأنّهُ لم ولن يكونَ انتقادي شخصياً إذ لا مشكلة لديّ مع الأشخاص بل مع العمل والخطط.
ثمّ لقد تشكّلتْ هيئةٌ ثقافيةٌ تُعنى بالشعرِ الفصيح في الأردنّ لحماية الموروث الشعريّ والمحافظة عليه ، حيثُ تنادى كبارُ الشعراء من المخلصين إلى هذه الهيئة والتي تسمّتْ بـِ ( دارة الشعراء) ، وكان على رأسِ هؤلاء الشعراء الكبيرُ شعراً وأخلاقاً وهمّةً- رغم ظروفهِ الصحية- تيسير الشماسين ، والذي وقع على عاتقهِ الحِملُ الأكبرُ من متابعة الإجراءات الرسمية كي تظهر هذه الدارةُ إلى الوجود حارسةً للشعر واللغة ، وقد حصل بالفعل هذا الأمر فصارَ للدّارة وجودٌ ومقرٌّ.
وطلباً و رغبةً من معالي وزيرة الثقافة أ. هيفاء النّجار بلقاء الشّعراء الأردنيين للاستماع إلى مطالبهم و تطلّعاتهم المرجوة في واقع المشهد الشّعري على الساحة الأردنية ، و قد كان هذا اللقاء حدثاً استثنائياً إذ لم يسجّل لوزير ثقافة قبل هذا التّاريخ ، وقد أبديتُ اعتذاري حين تمّ الاتصالُ بي من الدّارة مع أنّني عضو في الهيئة الإدارية ، وكان مردُّ الاعتذار لما أعلمهُ سابقاً عن طبيعة مثل هذه اللقاءات ، حيث يسودُ التملّقُ والجمودُ والوعودُ ، لكنّ الأستاذ تيسير الشماسين أكّدَ لي أنْ لا سقفَ للحوار ، ولا قيود على المطالبات ، لذلك قررتُ الحضورَ وأنا أقدّمُ التشاؤم وأسوقُ الإحباطَ.
في المركز الثقافي الملكيّ وفي تمام الساعة الثانية عشر ظهراً تماماً كانت معالي الوزيرة في الاجتماع ، قلتُ في نفسي : هذه بدايةٌ مبشّرةٌ ، إذِ اعتدنا على الوزاراء أن يتأخروا لما لا يقلّ عن ساعة بدعوى الانشغالات الطارئة والاجتماعات المفاجئة فضلاً عن اعتذارهم عن الاجتماع من الأساس.
كان المكانُ مُعدّاً بشكلٍ أنيق وبسيط ، عرفَ كلّ شاعر وشاعرة مكان جلوسه بلوحة مكتوب عليها اسمهُ.
افتتحَ الأستاذ تيسير الاجتماع بكلمة موجزة ومكثفة ، ثمّ تكلمتْ معالي الوزيرة لدقيقتين أو أقلّ ، قالتْ : ما جئتُ لأتلقى الشكر فدعكم من شكري ، جئتُ استمعُ لكم ، فليكن كلامكم فيما تعانونهُ وتأملونه.
وفعلاً ، على مدار ثلاث ساعات متواصلة تكلّم كلّ مَن طلب الكلامَ وكانوا الأغلبية ، وكنتُ أراقبُ عينيْ الوزيرة وهي تصغي بكلّ اهتمام لكلّ كلمةٍ وحرفٍ ، وتدوّن المطالب والهموم والآمال ، حتى حين كان أحدُنا يتجاوز الوقت الممنوح كانت تقول: رجاءً دعهْ يكمل.
الذي أثارَ سعادتي ودهشتي هو تلك الأريحية والسلاسة من معاليها ، وسعة الصدر ، والابتسامة التي لم تفارق محيّاها ، والذي أثار استغرابي ودهشتي أكثر هو أنّ معاليها قد قرأتْ في آخر الاجتماع كلّ المطالب والهموم والآمال التي أزجاها الشعراء والشاعرات ، وقد وعدتْ معاليها بأنّنا سنرى تغيّراً واضحاً وتحقيقاً لكلّ أو معظمِ هذه المطالب ، وقد ختمتْ قراءتها لمطالبنا وآمالنا التي دوّنتها واستمعتْ لها بإنصات بأنْ قالتْ لأحدِ الشعراء الذين طلبوا منها موعداً للقائها في الوزارة : أنا أتواجدُ في الوزارة من السابعة والنصف صباحا ، ولا مواعيد تحتاجونها ، أهلاً بكم في أي وقت.
إنّني أسجّلُ وأعترفُ أنّني أصبتُ بخيبة توقعات ، حيث كانتْ توقعاتي جموداً من الوزيرة واستعجالاً وتقليصاً لوقتِ اللقاء ثمّ المغادرة حيث تظلّ مطالبُنا تدورُ في الصدى والفراغ.
لأوّل مرةٍ أقرّرُ أن آخذَ صورةً مع وزير ، وما كان ذلك إلا لأنّ معاليها كانتْ من ضمننا ومن آمالنا وهمومنا ، وكانتْ غايةً الذوق والسلاسة والأريحية وسعة الصدر مشفوعاً كلُّ ذلك برغبة صادقة وعزم أكيد على تنفيذ ما أزجاهُ لها الشعراء من هموم وشجون وآمال.
شكراً للدكتورة هيفاء النجّار التي كسرتْ نمطيةَ المسؤول وأعادتْ للشعراء ولي شخصياً الأملَ والواقع بأنّ المسؤول حين يكونُ قريباً من نبضِ الشارع فسيكون قريبا جدا من القلوب ، فكيف إذا كانَ قريباً من الشاعر؟
شكراً لدارة الشعراء التي جمعتنا على الحبّ والحقّ والإبداع والأخوّة.
شكراً لرئيسها المزكّى للرئاسة دون انتخاب والذي رفض ترشيح نفسه لكنّنا ثقة به وبقلبه وجهوده اخترنا أن نرهقَهُ.
الشّاعر محمد العموش