لا يزال البعض ينظر للمرحلة على أنها عابرة وكغيرها من المراحل التي مرّت دون أثر، أو تاركة مجرد سطور في تاريخها، متناسين أو مغمضين أعينهم عن حقيقة بأنها مرحلة تاريخية، ستترك الكثير من الأثر والتغييرات، على تفاصيل الواقع ليس في فلسطين وغزة فحسب إنما في الإقليم والعالم، مرحلة يتشكّل بأحداثها واقع مختلف يضع قائمة سوداء لكل من انحاز لغير الحق ونصرته.
ردة فعل مستنكرة من ألفها إلى يائها تلك التي اتخذتها عدد من الدول في قرارها تعليق دعمها للأونروا، بعد قرار محكمة العدل الدولية يوم الجمعة الماضي، تتخذ قرارا عقابيا من وجهة نظرها، تخضع به الأونروا لعقوبات جماعية نتيجة مزاعم ضد 12من طاقمها البالغ عددهم في مجملهم 13 ألف شخص في غزة، جاعلة من نفسها حليفا لطرف يرتكب جرائم حرب كل لحظة بحق أهلنا في غزة، وواضعة مكانتها تاريخيا ضمن قائمة ابتعدت عن السلام والحق وشاركت في أزمة إنسانية وسياسية مرفوضة جملة وتفصيلا.
أضافت هذه الدول في قرارها بتعليق المساعدات أزمة جديدة في حياة الأهل في غزة، دون أي مبرر أو أي حجة مقنعة، وحتما لم يكن الفلسطينيون بحاجة إلى هذه العقوبة التي تطالهم وتطال حياتهم، ولم يكونوا بحاجة لمزيد من الأزمات وتعقيدات حياتهم، وتأزيمها، وحرمانهم من أبسط مقومات البقاء على الحياة، ذاهبين لمساحة تاريخية غاية في السلبية لن تُكتب بأقلام رصاص كغيرها من المراحل يسهل «محي» تفاصيلها، مساحة تجذّرت في العقول والقلوب لكل باحث عن العدالة.
في أول موقف على مستوى العالم شدد الأردن المنحاز منذ السابع من تشرين الأول الماضي للحق الفلسطيني، أكد على لسان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي على أن الأونروا تقوم بدور لا يمكن الاستغناء عنه في إيصال المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطينيي يواجهون كارثة إنسانية نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة، مشددا في اتصال هاتفي مع المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، على ضرورة استمرار المجتمع الدولي في توفير المساعدات اللازمة للوكالة لتمكينها من المضي في تقديم خدماتها في غزة التي يواجه أهلها المجاعة، وترفض إسرائيل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والمستدامة لهم، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني وقرار محكمة العدل الدولية.
موقف واضح وعلني، بصوت أردني يعلو على صوت سالبي الحقوق، رافضا أن تخضع الأونروا لعقوبات جماعية نتيجة مزاعم ضد 12من طاقمها البالغ 13 ألف شخص في غزة، خصوصاً أن الوكالة بدأت تحقيقاً فورياً في هذه المزاعم، ولم يقف عند هذا الموقف إنما حث الأردن الدول التي أعلنت تعليق دعمها العودة عن قرارها لضمان قدرة الوكالة تقديم خدماتها الحيوية، التي يعتمد عليها أكثر من مليوني فلسطيني في غزة للحصول على أدنى مقومات الحياة، وتوفر مراكز إيوائها الملاذ الوحيد لحوالي مليون من اصل 9ر1 مليون فلسطيني نزحوا في غزة منذ بدء العدوان.
واقع لن يُغفله التاريخ، ولن تنساه الإنسانية، والعودة عنه يعدّ بطولة وانتصارا للإنسانية والعدالة، والصوت الأردني الذي علا خلال هذه الفترة سيسجله التاريخ بحروف من نور، ذلك أن الأونروا تعدّ أحد أهم أدوات دعم الغزيين وثباتهم وإن كان بالنزر اليسير، لكنها شكل من أشكال الدعم وأداة من أدوات ثباتهم على أرضهم، ففي القول الحسم اليوم أمانة على الجميع تأديتها بضرورة دعم الأهل في غزة بكل ما أوتي الجميع من ضمير، وإنسانية، وبقاؤهم يصارعون ما بقي لهم من فرص للحياة بمفردهم دون دعم وسند مسألة خطورتها لن تبقى محصورة على جغرافيا غزة .