زاد الاردن الاخباري -
قبل أن ترد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بشكل رسمي على الصفقة المقترحة ضمن مخرجات قمة باريس الاستخباراتية، عبّرت أوساطٌ في حكومة الاحتلال عن رفضها لها، وهدّدَ بعضُ الوزراء بإسقاطها بحال تم قبولها، ما دفع رئيسها نتنياهو للتنصّل منها، مشدداً على لاءاته الثلاث، لكن الباب أمامها ما زال مفتوحاً، وهناك فرصة لتطبيقها لاحقاً، وليس فوراً، عندما تلتئم عدة عوامل داخلية وخارجية.
ومن المفترض أن يصل رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” القاهرة اليوم الأربعاء، مع وفد فلسطيني، بعدما قال، أمس، إن حركته ستنظر بالصفقة المقترحة على مبدأ رفع العدوان عن الشعب الفلسطيني، ومن المنتظر أن يعلن موقفها رسمياً بعد لقائه بالجانب المصري، وأن يتلقّى رئيس الموساد الجواب من الحكومة القطرية.
وحسب الإذاعة العبرية، اليوم، فإن هناك جهات إسرائيلية لا تستبعد أن يرد يحيى السنوار بالموافقة المشروطة، بل زيادة فترة الهدنة بعدة شهور أخرى، وزيادة أعداد الأسرى الفلسطينيين في المرحلة الأولى من التبادل، وبذلك يبدي ليونة في الموقف، مثلما يلقي مجدداً بالكرة إلى الملعب الإسرائيلي، خاصة أنه يدرك معارضة بعض الوزراء الإفراج بالجملة عن “أسرى خطيرين”.
وتقول الإذاعة الإسرائيلية إن هناك نوعاً من التفاؤل لدى المستوى السياسي بأن يكون جواب “حماس” إيجابياً على صفقة توقف القتال، ولا تنهي الحرب، مع إضافة بعض الشروط التي ستُبحث خلال اجتماع الكابنيت، غداً الخميس.
وتنقل الإذاعة عن مصادر في الجيش قولها إن قوات الاحتلال قادرة على استئناف القتال مجدداً، حتى بعد هدنة شهرين أو أكثر. وفي المقابل تتساءل؛ هل يمكن لائتلاف نتنياهو قبول هدنة طويلة، لأنها تصعب استئناف الحرب، وتمنح “حماس” فرصة لترتيب أوراقها عسكرياً في الميدان، علاوة على احتمال بأن تطول الهدنة أكثر فأكثر، نتيجة مشاكل وعثرات طارئة أو مقصودة.
أولياء نعمة نتنياهو
وقبل أن يكشف عن موقف إسرائيل الرسمي، هدّدَ وزراء متشددون، أمثال بن غفير وسموتريتش، بشكل مباشر وصريح بإسقاط الحكومة بحال صوّتت على “صفقة منفلتة” كالتي يجري الحديث عنها، وفي إطارها يفرج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، ووقف الحرب على غزة. بعد هذه التهديدات بادرَ نتنياهو، أمس، خلال زيارة له لمدرسة دينية في مستوطنة “عاليه” داخل الضفة الغربية المحتلة، لطمأنة شركائه، “أولياء نعمته السلطوية”، ونفى ما نقلته تقارير صحفية عن تفاؤل في التقدم نحو صفقة، فكرّرَ أسطوانته بالقول، في “عاليه”، ثم في بيان صادر عن مكتبه، ما سمعتموه ليس صحيحاً، إذ لن يُفرج عن آلاف “المخرّبين”، ولن ينسحب الجيش من غزة، ولن توقف الحرب قبل تحقيق أهدافها، ولن يبقى هناك ما يهدّد أمننا، أما الصحيح فهو الانتصار المطلق”.
عجل نجاة أم قنبلة موقوتة؟
في التزامن، وفي ظل تهديدات بفك الائتلاف، سارع رئيس المعارضة يائير لبيد لعرض “سلّة أمان” على نتنياهو، من خلال الاستعداد للمشاركة في الحكومة بغية المصادقة على صفقة تعيد المحتجزين. لكن نتنياهو لم يتعامل بجدية مع العرض، ولم يعقب عليه، فهو يدرك أن لبيد لم يرمِ “عجل نجاة” نحوه، بل هي “قنبلة سياسية موقوتة”، فلبيد سيكون مستعداً للدخول في الائتلاف لفترة محدودة جداً، ريثما تتم المصادقة على الصفقة، بعدها واضح له وللجميع أن إسرائيل عندئذ ستذهب لانتخابات عامة.
نتنياهو، بين لبيد وبن غفير، يفضّل عصفوراً باليد على عشرة على الشجرة، فهو ربما يكون معنياً نتيجة تفاقم الضغوط بإتمام صفقة مع “حماس” شريطة البقاء على “كرسي الملك”، وهو، بخلاف ساسة إسرائيليين، لا يتردد في الانحياز لمصلحته الشخصية عندما تتناقض مع مصالح عليا لإسرائيل. مما يعقد الموقف أن هناك حسابات شخصية متنوعة لدى نتنياهو، ولا بدّ من رؤية سيكولوجية من أجل فهمها، فهو ابن لمؤرخ صهيوني، ومسكون بهاجس التاريخ، وبصفته صاحب الفترة الأطول في سدّة الحكم من بين رؤساء حكومات الاحتلال يرى بنفسه أكثر أهمية من دافيد بن غوريون، بل يرى بنفسه “تشرتشل إسرائيل”، فيما يسخر خصومه منه ممن يقولون إنه لا توجد قطرة من تشرتشل لديه، بل هو تشمبرلن، في إشارة لرئيس حكومة بريطانيا قبيل الحرب العالمية الثانية، الذي سمح للنازية باقتطاع إقليم السوديت، وأبدى موقفاً ضعيفاً حيالها. جاء “طوفان الأقصى” ليقلب حسابات وأمنيات نتنياهو العالية على رأسه، علاوة على تورطه السابق في تهم فساد تهدّد، هي الأخرى، مستقبله السياسي والشخصي، وربما ترسله للسجن، خاصةً إذا كان شخصاً عادياً، وليس على مقعد رئاسة الوزراء، ويضاف فوق كل ذلك تهديدات زوجته سارة نتنياهو الرافضة لأي تسوية تهدّد زعامته وحساباته الداخلية الشخصية.
ضغوط خارجية وداخلية
هل يعني تصريح نتنياهو بلاءات ثلاث قديمة جديدة، أمس، بأن الحرب ستستمر لشهور، وربما سنوات، لأنه أعلن ذلك سابقاً، ولأن عينه على كرسيه الوثير بالأساس، والذي تهدده صفقة محتملة؟
لاءات نتنياهو هذه لا تغلق فعلياً الباب أمام صفقة محتملة، وذلك نتيجة وجود حسابات واعتبارات أخرى مضادة من شأنها دفعه للقبول بها، وهي مرتبطة بضغوط داخلية أخرى وخارجية أيضاً. في حال استمر نتنياهو بخلط الحسابات متجاهلاً مصلحة إسرائيل سيجد الوزير غادي آيزنكوت نفسه مضطراً لمغادرة الحكومة، حتى وإن فضّل شريكه في “الحزب الدولاني” بني غانتس البقاء فيها، وهذا ما أعلنه قبل أسبوعين، في حديث للقناة 12 العبرية.
آيزنكوت، الذي يتمتع بمصداقية وشعبية واسعتين، خاصة بعدما فقد ابنه وابن شقيقته، الجنديين في الحرب على غزة، سيكون انسحابه من حكومة نتنياهو احتجاجاً على خلط الحسابات، إيذاناً بانفجار موجات كبيرة من الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي، خاصة أن موقفه يتكاتب مع موقف الجيش الذي يكرر، يومياً، بطرق مختلفة بضرورة رسم ملامح اليوم التالي للحرب، وإلا ستتبدد مكاسبها وتتورط إسرائيل بحرب استنزاف.
ثمن الحرب
وهذا ما يحذّر منه عددٌ من المراقبين الإسرائيليين، منهم الوزير العمالي السابق عوزي برعام، الذي يقول، في مقال تنشره “هآرتس” اليوم، إن نتنياهو يبدّد مكاسب الجيش.
يضاف لذلك ضغط الجيش الراغب بتحديد أهداف “عملية واقعية” لما تبقى من الحرب، وضغط عائلات المحتجزين الخائفين من موت أعزائهم، وتململ النازحين في الجنوب والشمال، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وضغط الشارع المرشح للتفاقم، بحال استمر النزيف ونجحت المقاومة الفلسطينية بالمزيد من الصمود الطويل المفاجئ لإسرائيل، وبجباية أثمان بشرية موجعة من شأنها رفع منسوب الغضب. وبحال صدقت التسريبات من مصر بأنها فعلاً ستمنع القوات الإسرائيلية من الاقتراب من محور فيلادلفيا والحدود بينها وبين القطاع، فهذا سيضيق هامش مناورة الاحتلال، لأن ذلك يعني بقاء قنال أوكسجين للمقاومة، ودفيئة حاضنة حامية لها في منطقة رفح.
في التزامن، هناك ضغوط متزايدة من قبل الولايات المتحدة، المعنية لعدة أسباب بإنهاء الحرب، ومن غير المستبعد أن تبدأ بممارسة ضغط فعّال حقيقي على نتنياهو وحكومته، وربما إسقاطها.
في كل الأحوال، وعلى خلفية ما ذكر، تشهد الحرب وتفاعلاتها المحلية والإقليمية والدولية ديناميكية تقلّص هامش مناورة حكومة نتنياهو، المتمسك بقرني البقاء في السلطة، ومن المرجح أن يكون اجتماع الضغوط الداخلية والخارجية أكثر فعالية وتأثيراً من كل الفترة الماضية منذ الحرب قبل 116 يوماً.
من جهته، يقول المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل إن نتنياهو يقترب من نقطة الحسم: الذهاب لصفقة، وثمنها باهظ، وسيرى بها عددٌ كبير من الإسرائيليين انتصاراً لـ “حماس”، أو رفضها، كما يريد بن غفير وسموتريتش ووزراء متشددون في حزبه. ويضيف: “حالياً، يكتفي نتنياهو بأنصاف إنكارات، فالائتلاف الحالي بهذه التركيبة لن يبقى بعد صفقة تبادل”.