زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - المبالغة في الحذر وإدارة التوازنات أثناء الاشتباك اليومي مع تفاصيل ومستجدات المشهد الفلسطيني قد تعبر عن خطوات ثابتة وحكمة وخبرة في بعض التفصيلات، لكنها – وهنا محظور يتحدث عنه الساسة في عمان – قد تعكس تأخراً لا مبرر له وغير منتج في تحصين منطوق ومضمون ومحتوى شبكة المصالح الأردنية.
يصر المعنيون من طبقة النخبة على أن حالة توعية وطنية أفقية تستعد للمقبل بصرف النظر عن هويته على خاصرة الضفة الغربية لنهر الأردن، هي حالة لا تزال غير حاضرة.
ويعيد مخضرمون من بينهم رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، التذكير بأن المبادرة والمناورة والمعلومات الوطنية في سياق الخطاب الدبلوماسي محضورة جداً، معبراً عن الأمل والحاجة للانتقال إلى السياق الوطني، فيما كان وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر يعيد التذكير بأن سلسلة مراجعات أساسية الآن مطلوبة لأغراض تحصين مكانة المصالح الأردنية وتحتاج لحوار وطني، بما في ذلك مراجعة العلاقات الأردنية الإسرائيلية.
قبل ذلك، قادة أساسيون في الحركة الإسلامية من بينهم نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين البرلماني السابق المحنك محمد عقل، سمعتهم «القدس العربي» يظهرون الاستعداد لتدشين والمشاركة في حوارات وطنية معمقة تحتاجها حزمة المصالح الآن لإعادة قراءة الواقع والتموقع.
لا سيناريو للحوار
قالها عقل بصورة مكثفة: جاهزون للمراجعات والتحاور الوطني البناء الإيجابي بما يؤسس ويضمن لمرحلة جديدة وعلى أساس سقف مصالح الدولة والوطن. وقالها قبل ذلك الأمين العام لجبهة العمل السلامي الشيخ مراد العضايلة، وهو يدعو إلى مسار وطني في إعادة بناء استراتيجية وطنية فعالة تجمع الدولة والمؤسسات والشعب الأردني معاً للحفاظ على المصالح والمكتسبات.
ورغم كثرة الدعوات لحوارات مراجعة وطنية هنا وهناك من اليسار واليمين والليبراليين في الحالة الأردنية، لا مؤشرات بعد على تدشين أي سيناريو لحوار يبحث التحديات. وما اقترحه مفاوض ولاعب خبير مثل الدكتور جواد العناني، أمام «القدس العربي» مجدداً هو أن الأردن في حاجة ملحة للاستعداد والجاهزية الكبيرة سواء انتهت موجة الصراع الحالي والعدوان الإسرائيلي على غزة باتساع رفعة الصراع العسكري إقليمياً، أم انتهت الموجة الحالية بعملية تسوية سياسية يمكن اشتمام رائحتها خلف الأبواب الموصدة والمكتومة.
إشارة «مقلقة»: لماذا يترك الصفدي وحيداً؟
في الحالتين ـ يقترح العناني ـ جاهزيتنا الوطنية ينبغي أن تفتح كل الصفحات والدفاتر، وفي الحالتين تبقى الحاجة ملحة لمطبخ سياسي خبير وعميق يدير قواعد الاشتباك في التفاصيل.
مقابل كل تلك الدعوات الراشدة، لا تزال تلك الأمور في ملفي اليمين الإسرائيلي والقضية الفلسطينية تدار حكومياً بالطرق القديمة، ولا أساس للقول بمبادرات وشيكة لتفعيل حوارات وطنية تقرأ المستقبل الوشيك، أو حتى تتجهز له. ولا يزال – وفقاً لما يراه الجميع طبعاً بعد الثوابت والتوجيهات المرجعية – رجل واحد في الاشتباك وحمل الميكروفون والخوض في التفاصيل، هو حصراً وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي بكل حال يتقدم بأداء رفيع في التعبير عن الموقف الرسمي الأردني.
يرى كثيرون أن بقاء الصفدي وحيداً في الملف إشارة قد تكون مقلقة، ويرى آخرون مراقبون أن مسار ما تمضي آلية الأمور في الملف الفلسطيني يحتاج إلى إدارة مطبخ تنفيذية أكثر عمقاً وقدرة على التعامل مع تفاصيل مرهقة في الطريق. وترى أطراف ثالثة طوال الوقت أن المكتوب في حسابات الدولة العميقة هو الأساس في هذه المرحلة، لا بل يعبر عن إنتاجية تحدث فارقاً على الأرض.
عمان تدير الاشتباك وفقاً لقواعد الوجود أكثر، لكن في سياق محسوب مسبقاً في غرف المشاورات ولجان الاستشارات والسيناريوهات.. هل يكفي ذلك؟ سؤال معقد يجيب عنه العناني بالإشارة إلى أن مطبخين معنيين بالتحرك الفوري للتعميق الآن تجنباً لأي سيناريوهات مشبوهة ثم يتحدث عن مطبخ فعال في عمان ينبغي أن يقابله مطبخ فعال في رام الله.
كل هذا النقاش يبرز فيما لوحظ أن الأردن يزيد بالتدريج جرعة اشتباكه مع بعض التفاصيل الفلسطينية، لكن في إطار التقاليد القديمة نفسها التي تصر على الحد الأدنى من الاتصالات مع ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية وتجنب أي إشارة لإعادة عملية بناء المرجعيات الفلسطينية على أساس منظمة التحرير.
عبارة منظمة التحرير وشرعيتها لا يسمعها المراقبون والمعنيون في زوايا وأقنية عمان الرسمية، ومعها في المتحف المنسي دور وبصمة ومستقبل فصائل المقاومة الفلسطينية.
لا أحد يزاحم الصفدي
دون ذلك، حتى اللحظة لا أحد يزاحم الوزير الصفدي في الملعب الدبلوماسي، ولا بوادر على تدشين أي صنف من الحوارات العميقة بشأن ما ينبغي أو لا ينبغي قريباً في مواجهة الملفين الإسرائيلي والفلسطيني، لا بل بالتوازي وقف زحف ونمو فكرة مراجعة اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل واشتباك خجول يبقي الأردن حاضراً بصفة استشارية فقط في غرفة محكمة لاهاي، مع أنها ـ في رأي المرجع القانوني الكبير الدكتور أنيس القاسم ـ فرصة ملموسة لتوفير مظلة تحمي المصالح والثوابت الأردنية.
يحصل ذلك فيما الأردن بصفة مراقب ومتابع استثنائي، جالس في أروقة لاهاي، وفيما عمان جزء من سيناريو الترتيب الأمريكي الخماسي، سواء الذي تشاور بصورة مغلقة في اجتماعات سعودية، أو ذلك الذي اشتبك مع الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
في الأثناء، تناور عمان الرسمية لدعم شرعية السلطة الفلسطينية وتلعب دوراً في دعم خيارات الإصلاح الإداري الفلسطيني وفي تنويع خيارات الكفاءات الفلسطينية، وإن كان ذلك لا يكفي برأي الكثيرين دون تسلل واقتحام سريع لمحظورين في العرف الأردني لا ينبغي تجاهلهما الآن كما كان يحصل في الماضي.
وهما فضائل تأطير شرعية فلسطينية جديدة بعنوان منظمة التحرير، وشبك أيادي التواصل والتشاور ولو قليلاً، أو حتى بالحد الأدنى مع فصائل المقاومة. لا أحد يعلم بعد كيف يمكن للحكومة الأردنية أن تدير حزمة مصالح البلاد الأساسية دون المقاومة والمنظمة، وأيضاً دون تفعيل حوار وطني داخلي يوسع آفاق المقاربات.
«القدس العربي»