لم يكن الشعب الفلسطيني مجمعا في تاريخه لا على المقاومة ولا على المفاوضة، ولا توجد آلية لرصد ما يريده الشعب. فهو بين احتلال وشبه احتلال وشتات في كل بقاع العالم. توجد قيادات قادرة على تبصر مصلحته وإدارة المركب في الاتجاه الصحيح. من تلك القيادات التاريخية كان ياسر عرفات، وليس منها خليفته أبو مازن. ولك أن تقارن، مع أن المنصب واحد. في حرب غزة هل كان يقبل أبو عمار أن لا يكون تحت القصف. في اغتيال الشهيد المبحوح هل كان يقبل ألا أن يكون في الصف الأول من المشيعين؟ كان يرى نفسه زعيم الشعب لا زعيم فصيل، حتى لو كان ذلك الفصيل يرفض قيادته لا بل يخونه.
عندما اغتال العدو الشهيد يحيى عياش لم تكن المفاوضات جثة هامدة كما هي اليوم، ولم يكن دم غزة ساخنا، كانت عملية السلام في أوجها. ومع ذلك كان عرفات في الصف الأول في جنازة الشهيد. أما في جنازة الشهيد محمود المبحوح فلم نرَ أبو مازن ولم نسمع عبارته الشهيرة عن عمليات المقاومة عندما يصفها بـ"القذرة".
أزمة فتح في القيادة لا في التفاصيل. الأجهزة الأمنية هي ذاتها، لكن لنقارن بين دورها في انتفاضة الأقصى ودورها في حرب غزة. حتى لا ننسى فإن "أبو جندل " بطل معركة مخيم جنين كان ضابطا في الأمن الوطني.
في اتفاق أوسلو، جزء من دور الأجهزة الأمنية هو ملاحقة المقاومة والتعاون الأمني مع الإسرائيليين. وفي عهد عرفات مارست بعضا من هذا الدور لكنها توقفت مع انطلاق انتفاضة الأقصى. لأن القيادة كانت ترى أوسلو محطة في طريق الثورة. اليوم في عهد "الفلسطينيين الجدد "على وصف الجنرال دايتون أعيد تعريف دور الأجهزة حصرا بـ"مكافحة الإرهاب". ومن يقرأ تصريحات قادة الأجهزة الجدد لا يجد ضيرا من مفاخرتهم بالمشاركة في تصفية "إرهابي كبير" مثل الشهيد المبحوح.
في دوائر حماس لا ينكرون وجود خطأ واختراق. وهم يصلون الليل بالنهار لمعرفة أين حصل الخلل. الذي كشف عن وجود اثنين من عناصر الأجهزة بأسمائهما شرطة دبي وقام الأردن بتسليمهما. وقد اتهمت قيادة حماس علانية محمد دحلان بأن العنصرين يتبعان له ويعملان في مؤسسته العقارية. إن تلك الأجهزة لا تمثل فتح. وفي ملفات الأمن الوقائي في غزة عثرعلى ما هو أسوأ بكثير من فضائح رفيق الحسيني، وما هو أسوأ بكثير من اغتيال الشهيد المبحوح. وفي مكتبة أفلام البورنو لم يكن المستهدف قيادات المقاومة بل قيادات فتح والفصائل. وإلى اليوم لم يطلب أبو مازن التحقيق حماية لتنظيم فتح وقبل ذلك حماية الشعب الفلسطيني.
من يعمل على إسقاط قيادي من حركته نفسها في عملية معقدة من جلب الساقطة إلى توجيهها وتركيب الكاميرات وابتزاز الضحية، لا يستبعد عنه العمل مع الموساد لاصطياد المقاومين؛ فهو مجرد من الحد الأدنى من القيم الإنسانية. الفضيحة واحدة من أفلام البورنو إلى ما وثقته أفلام شرطة دبي. ما كنا نحب أن توثقه الكاميرا دموع أبو مازن على الشهيد المبحوح كما وثقت من قبل دموع أبو عمار على الشهيد عياش؛ فالكل يرحل وتبقى الصور.