لنفترض أنّ عملية التصفية في دبي حقّقت نجاحاً جيّداً، ولنفترض أنّه تمّ إثبات مشاركة الموساد. أنريد نحن في الحقيقة أن نعيش في دولة لديها وحدات موت، وترسل أفضل أبنائها لخنق الناس بالوسائد في غرف الفنادق، ورئيس موسادها شخص يشتهي أعمال المغامرة، ورئيس حكومتها يجيز ذلك؟!".
هذا النص ليس لاسماعيل هنية ولا لعبدالباري عطوان أو ليث شبيلات، إنه لجدعون ليفي، المحلل السياسي الإسرائيلي، وفي صحيفة هآرتس. بالطبع، لم يعتقل الرجل بعدها، ولم يخوّن ويتهم بمعاداة الوطن والأمن والدولة!
لا يقف ليفي عند ذلك، بل يكيل الاتهامات لرئيس الموساد بالفشل والدموية "مرّت أسابيع قليلة فقط منذ تجادل هنا أفضل المحللين الأمنيين بتقارير افتتاحية ومقالات تقدير وإجلال لرئيس الموساد مئير دغان، تكاد تتجاهل مطلقاً ماضيه المظلم في غزة وفي لبنان، وكانوا يسجدون لمغامراته، لقد نسينا أنّ الموساد يفترض أن يكون ذراعاً استخبارية، لا ذراعاً تزرع الموت، وأنّ دولة القانون هي دولة لا تملك وحدات تصفية.."!
هل ليفي يغرّد خارج "سرب" الإعلام الإسرائيلي وحيداً؟ الجواب: لا، بل تمتلئ الصحف هناك بحوار عاصف وجدال ساخن عن عملية دبي. وهنالك تيار عريض كتب في الاتجاه نفسه، ما وضع أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي في زاوية حرجة، عندما حاول التهرب من صلة الموساد بالعملية، فواجهه مذيع البي بي سي بمقالات من الصحافة الإسرائيلية.
ولا تقل مقالة يوسي سريد، السياسي والخبير الأمني المعروف، قسوة عن ليفي، عندما استهزأ بعملية دبي "لا جديد تحت شمس عدسات التصوير: فما كان هو الكائن، والحيل الهاذية المسروقة معروفة في الأدبيات البوليسية القديمة الجيّدة، فلقد كانت من قبل جوازات سفر مزيّفة، وإسرائيليون بسطاء، يعيشون وفوجئوا بأن يجدوا أسماءهم المستعارة في نشرات الأخبار.."!
هل يمكن مقارنة هذا المناخ الإعلامي في إسرائيل بالمناخ الإعلامي الأردني عقب تفجيري خوست والعدسية؟! هل تجوز المقارنة أصلاً!
كان الإعلام العالمي يتوافد إلى بيتنا، وإعلامنا غير معني بالأمر، ولم تتجاوز بعض الصحف والقصص والمقالات محاولة ملء الفراغ وتقديم شيء بسيط ذرّاً للرماد في العيون، ولم تسلم من التشكيك والتأويل. وانتهى الأمر بموفق محادين وسفيان التل إلى قضية أمام محكمة أمن الدولة وتهديد بقطع الألسن!
أيّها السادة عاينوا الفرق واضحاً جليّاً كالشمس بين الإعلام المرعوب المخنوق والإعلام المبادر المهني، بين الحرية الوهمية السطحية الجزئية وبين الحرية الحقيقية! بين إعلام يتخبّط بين الخطوط الحمراء والتابوهات مسكوناً بالرقابة الذاتية، يمشي في حقل أشواك وبين إعلام محترف واثق.
ألا يطعن في معنى وجود "إعلام أردني" بأن نعرف أسماء الفلسطينيين اللذين سلّمهما الأردن إلى دبي في قضية اغتيال المبحوح من صحيفة هآرتس، بل أن نعرف أنّ هنالك أشخاصاً تمّ تسليمهم عبر الإعلام العالمي!
إنه، حقّاً، شيءٌ مخجل جداً، جداً.. هل سمعتم عن قانون يضمن حق الحصول على المعلومة؟!