و جاء في الاخبار اول امس ان مؤسسة الغذاء والدواء ضبطت 17 طن لبن مغشوش وفاسد. رقم مثير للرعب عن كمية «لبن مغشوش وفاسد» كانت شركة الالبان تنوي توزيعها في الاسواق.
و السؤال الحرج، كيف ان الاعلام وناشطي سوشل ميديا اندلقوا في الدفاع عن اللبن المغشوش والفاسد.
و سمعت مذيعا صباحيا، في اذاعات «الحمولة الزائدة».. يكبر ويهلل للمصنع واللبن الفاسد، وينسج من وحي خياله المضروب.. حكاية تقول. انه ثمة مؤامرة كونية تستهدف المصنع ومالكه.
المذيع ذكرني في اعلام الردح وهز الوسط..
كيف يتورط الاعلام ويصبح طرفا ويتستر على جريمة فساد غذائي. نملأ وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام وشاشات التلفزيون كلاما عن فساد الدولة والحكومة والنواب، والمجتمع، والمؤسسات التعليمية والدينية، والثقافية.
و نكيل بمكاليين ونوزع اتهامات ونسيس قضية فساد غذائي، طرفها الرئيس تاجر جشع وطماع، وضميره معطل ومرمي في الثلاجة وغرف التبريد. كنت اتوقع ان نسمع شكرا لمؤسسة الغذاء والدواء، وان كان هذا واجبها..
و المؤسسة في العام الماضي خاضت حروبا مع هوامير وحيتان الفساد الغذائي، وتذكرون شحنة الارز الفاسد.
متنفذون كبار تدخلوا وضغطوا من اجل ادخال الارز الفاسد الى الاسواق الاردنية، ومدير عام المؤسسة الدكتور نزار مهيدات صمد بصلابة امام قراره وضميره والتزامه الدستوري والوطني، والاخلاقي. القانون لا يسمح بنشر اسماء فاسدي الطعام والشراب.. ورغم خطورة ما يرتكبون من جرم في حق المواطن والمجتمع والدولة. و يسمى ذلك تشهيرا. ومع اني ارى انه ضروري في بعض القضايا.. وخاصة عندما يكون التاجر هامورا ويملك اذرعا وادوات في الاعلام والرأي العام.
نفهم سبب منع ذكر الاسماء ونشرها في مرحلة الضبط والتحقيق والمحاكمة، وكما قالوا المتهم بريء حتى تثبت الادانة.
و لا اعرف اين الحياء، من الدفاع والمدح والابتذال في قضية فساد غذائي والدفاع والترويج العكسي عن منتج مغشوش؟ ولولا اعين الرقيب الغذائي والصحي، فان اللبن الفاسد كان في طريقه الى بطون وامعدة الاردنيين البسطاء والابرياء.
مؤسسة الغذاء والدواء في انجازها لم يتوقف عند قضايا الغذاء الفاسد.. ولكنها ايضا استطاعت ان تضبط سوق الادوية واسعارها وجودتها ومعاييرها الصحية والصيدلية، وازالت تشوهات عميقة في سوق الدواء.
من اخطر انواع الفساد.. واخطر من الفساد السياسي والانتخابي والحزبي.. ومن فساد الغذاء يبدأ الفساد الكبير في البلد، فان مقترفيه يتسللون الى اوكار اخرى، وينقلون عدوى الفساد من مواضع الى اخرى، وتتفشى مكاره الغذاء الفاسد الى السياسة وصندوق الانتخاب والاعلام وغيرها.
الغريب اننا نتنصل من تسمية الاشياء بحقيقتها.. ولا نطالب بالتعزيز في قضايا الفساد الغذائي، وكما غيرها من انواع اخرى للفساد.. و لا نقول لمن يحاربون هذا الفساد : شكرا !! بل يسمح في فتح ساحات ومسارح الردح لاغتيالهم واحباطهم معنويا ووظيفيا.