زاد الاردن الاخباري -
تحت عنوان: "الديمقراطية تتراجع في عدد من الدول التي تسعى لتحقيقها وتفقد قيمتها في الدول الديمقراطية نفسها"، كتب آلان فراشون، في صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالاً سلّط فيه الضوء على تراجع الديمقراطية في عدد من الدول، واعتبر أنّ الديمقراطية فقدت قدرتها على الإغواء، واهتزت قوتها الناعمة تحت وطأة الضربات التي يتلقاها الغربيون نتيجة خياناتهم المتكررة لمبادئها.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف :
تحية للديمقراطية: يُتوقع في عام 2024 أن يُدلي نحو نصف البالغين على هذه الأرض بأصواتهم. ويمكننا بالفعل سماع المشككين بنتائج هذا النشاط الديمقراطي حتى قبل حدوثه، فشروط التصويت ليست هي نفسها في المملكة المتحدة والهند في عهد ناريندرا مودي وفي الولايات المتحدة وروسيا في عهد فلاديمير بوتين إذا أخذنا عدداً قليلًا من البلدان التي يُطلب من سكانها انتخاب حكامها.
ومع ذلك، فإنّ الدعوة للتوجه إلى صناديق الاقتراع تعكس تكريساً مهماً لمبدأ الديمقراطية. فالانتخابات التي ستُجرى في بلدان عدّة في أذربيجان مثلًا التي يحكمها إلهام علييف، يرى فيها الحاكم المستبد بأنّه مضطر لإجرائها، حتى مع علمه المسبق بالنتائج.
تُعد الانتخابات إجراءً رسمياً محضاً، منافقاً، أو أيّ مسمّى آخر، لكن الطاغية يرى فيها وسيلة للحصول على الشرعية والاحترام اللذين تمنحه إياهما نتائج صناديق الاقتراع، تمامًا كما يضع المرء ربطة عنق أو يرتدي قبعة للذهاب إلى حفل زفاف. ومن المؤكد أنّ هذه العملية لا تنبع من إيمان صادق بمبدأ الديمقراطية رغم الشعور بها كالتزام؛ بل هي تعبّر عن حقيقة بسيطة، ولو في العقل الباطني، مفادها أنّ الطابع الديمقراطي يسلك منحنى أفضل.
"القوّة الناعمة"
هذا الوضع لا يخلو من التناقضات. وبحسب جانان غانيش، أحد كتّاب العمود الصحفي في صحيفة "فايننشال تايمز"، فإنّ "رجل وامرأة عام 2024" هم الناخبون.
لكن الديمقراطية "في تراجع"، وفق الأميركي لاري دايموند، الأستاذ في جامعة ستانفورد. أما من حيث عدد الدول التي تمارس هذا النظام فهو في تراجع؛ وفي الأراضي التي كرّست هذا النظام، ولا سيّما في الغرب، فقد هذا النظام جودته.
لقد بلغت الديمقراطية، المتمثلة بالمعنى الواسع بالانتخابات المنتظمة والحرة إلى حدّ ما، ذروتها في عام 2000، حيث استفاد منها نحو 54% من سكان العالم، وفقاً لمنظمة "فريدوم هاوس" غير الحكومية التي تتولّى القيام بهذا النوع من الاحصاءات. ثم انخفضت هذه النسبة إلى 50% في عام 2018، لتصل أخيراً إلى 32% في عام 2019. ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى إعادة تصنيف الهند، التي تعد اليوم الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان على هذه الأرض.
هذا وتُصنَّف 34 دولة فقط في مصاف الدول الديمقراطية الليبرالية، التي تشتمل على الانتخابات وسيادة القانون وحرية الصحافة والسلطات والضوابط والتوازنات وحقوق الأقليات، والتي تشكّل باختصار الترسانة المؤسسية الكاملة والمعقدة للحياة الديمقراطية. وقد عبّرت الأميركية سامانثا باور، التي ترأس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عن هذا الوضع بالقول: "منذ 17 عاماً والحرية في تراجع".
فقد تراجع تصدير الديمقراطية، وفقدت قدرتها على الإغواء، واهتزت قوتها الناعمة تحت وطأة الضربات التي يتلقاها الغربيون نتيجة خياناتهم المتكررة لمبادئها. ويُعدّ جورج دبليو بوش أحد المساهمين الرئيسين في تغيّر مسار الديمقراطية بعد غزوه العراق عام 2003.
وتتابع سامانثا باور حديثها قائلةً بأّن انزلاق بعض الديمقراطيات نحو الاستبداد يضعنا أمام تساؤل أساسي عن "أيّ نموذج [للحكومة] ستكون له الغلبة في السنوات المقبلة؟ وتشير تقديرات مركز جامعة "كامبريدج" حول مستقبل الديمقراطية إلى أنّ الصين وروسيا تتمتعان بشعبية أكبر بقليل من الولايات المتحدة في الجنوب العالمي، إلّا أنّه من الصعب تأكيد هذه المعلومة.
وتضيف بأّن الأنظمة الديمقراطية الليبرالية تتآكل من الداخل، وهو ما أسمته "إرهاق الديمقراطية". وترى بأنّ الشباب الغربيون سيبتعدون عن النظام الفوضوي والمرهق، الذي يقرر ببطء ويبحث دائماً عن إجابات مقتضبة ويحيّرهم في قراراته التي تخيّم عليها الضبابية. فالناخب المعاصر يقرّر وفق ما يريده هو من القائمة وليس بحسب ما يُقدم له من قائمة. وهو لم يعد مخلصًا لارتباطاته الحزبية؛ وعليه فإنّ شعبية المؤسسات الرئيسة للديمقراطية والأحزات السياسية تشهد تراجعاً.
"أوربان" أنموذجاً
تلوح في الأفق مخاطر أخرى في البيئة الرقمية، حيث يختفي التمييز بين الحق والباطل بسبب نظريات المؤامرة وهيمنة شبكات التواصل الاجتماعي على الصحافة التقليدية، فضلًا عن التضليل الإعلامي والتلاعب بالرأي العام. وبحسب ما صرّح به لورانس نوردن، الخبير من كلية الحقوق بجامعة نيويورك، لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإنّ "كل ما يهدد ديمقراطيتنا منذ فترة، قد يتفاقم نتيجة الذكاء الاصطناعي التوليدي". فعلى سبيل المثال، يتم تداول خطب كاذبة منسوبة للرئيس جو بايدن على شبكة الانترنت.
ووفق استطلاعات للرأي، فإنّ انتخابات البرلمان الأوروبي التي سيتم إجراؤها في حزيران/يونيو تنذر بصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. ففي ظل مناخ يشجع على الاستفادة من خسارة الأحزاب النخبوية لمصداقيتها، تراهن هذه الأحزاب المعارضة للاستثمار على مشكلات العصر ومن ضمنها الهجرة والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي والقيود البيئية.
وتتبّع هذه الأحزاب نهج الديمقراطية غير الليبرالية، المعروفة أيضاً بـ"الديموكراتورية"، وكان بطل هذا التراجع الديمقراطي فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري.
وستحدد الانتخابات الأميركية المقرر إجراؤها في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر ما إذا كانت أقوى الديمقراطيات الليبرالية مستعدة للرضوخ "للديموكراتورية" عن طريق إعادة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
معضلة العصر تتمثل بأن يأتي الإعلان عن هذا الانحدار في الديمقراطية الليبرالية في الوقت الذي أثبتت فيه تفوقها المطلق في معركتها ضد جائحة "كوفيد-19". كذلك، هُزمت "الديموكراتورية" البولندية على يد الوسطيين بقيادة دونالد تاسك.
ويبقى الغرب، الذي يتم وصفه بأنّه كيان متدهور ومنحط، الوجهة المفضلة لحركة هجرة غير مسبوقة. ويبدو أن حشوداً من الأشخاص التعساء، القادمين من الجنوب العالمي، منجذبون إلى الوعد بالحرية والازدهار الذي تجسده الديمقراطية الليبرالية. لذا، فإنّ الإعلان عن موتها يبدو سابقاً جداً لأوانه.