لا يوجد في قاموس الأردنيين، ولا في طباعهم، أي نزعة للكراهية أو الإساءة أو التعصب؛ الهوية الأردنية المنغرسة في التراب الوطني مفتوحة على دينها وعروبتها وإنسانيتها، لا تعرف الانطوائية ولا العنصرية، هكذا تربى الأردنيون وكتبوا تاريخهم وحاضرهم، وهكذا تعاملوا مع أشقائهم ومع العالم أيضا، فعلوا ذلك حين فتحوا بلادهم وقلوبهم للمهاجرين والمهجّرين، اقتسموا معهم البيت والرغيف ، وفعلوه، أيضا، حين أصبح» الهمّ العربي» هما وطنيا، وأزمات الأشقاء قضايا في صميم الحس الأردني، لم يردوا الاساءة لاحد، ولم يعتذروا يوما عن مساعدة شقيق ملهوف، أو دعم عاصمة عربية تعرضت لمحنة، او رد التحية على أخرى قدمت لنا معروفا.
يرتبط الأردنيون مع اشقائهم القطريين بعلاقات تاريخية وثيقة، كما يرتبطون مع اشقائهم في السعودية والإمارات، وعمان والبحرين، والكويت والعراق وغيرها من دولنا الخليجية والعربية، بأواصر عميقة من المحبة والاعتزاز والتقدير، لدينا جميعا إحساس عام بأننا «أمة واحدة»، وأن ما يصيب الدوحة، مثلا، من خير، يصيب عمان، والعكس صحيح تماما، لا مصلحة لأي أردني او قطري أن يحدث بيننا جفاء، أو أن نلتقي بدون أن نتصافح ونتبادل التحيات والابتسامات ، وبدون أن تمتد وتتشابك مصالح الدولتين، وكل من يتجرأ على تعكير صفو هذه العلاقات الأخوية، مهما كانت المبررات، لا يعبر، أبدا، عن أخلاق الأردنيين والقطريين ولا يمثل إلا الاستثناء المرفوض، او «الثالول « القبيح في وجه بلدينا المشرق.
اسمحوا لي، باسم الأردنيين الذين اثق بانتمائهم الوطني والعربي والإسلامي والإنساني، أن اعتذر لكل اشقائنا الذين سجلوا عتبهم على ما صدر من بعض أبنائنا من هتافات او تعليقات او تغريدات، أخطأت طريقها، في لحظة غضب، خارج سياق «الخلق الأردني»، هؤلاء لا يمثلون الأردنيين النشامى، ولا يتحدثون باسمهم، ولا يعبرون عن قيم الدولة الأردنية التي تأسست على الوفاق والاتفاق، والتضامن والتكافل، والنخوة والشهامة، هذا الاعتذار الواجب لا يتحرك فقط في سياق المصالح المشتركة التي تفهمها الحكومات، والتفاهمات السياسية التي تسخن وتبرد حسب المعطيات المعروفة، وإنما في سياق اهم، وهو سياق» الأخوة « بين الشعوب، والترابط التاريخي والجغرافي والمصيري بين أبناء الملة الواحدة، وأخلاقيات التحضر الإنساني التي تقع في صميم ثقافة الذات الاردنية والعربية.
لنا مع قطر والعراق، كما باقي دول الخليج العربي، تاريخ طويل من العلاقات والاحترام المتبادل؛ مئات الآلاف من الأردنيين عاشوا هناك، ومازالوا، فتح لهم اشقاؤنا بيوتهم وجامعاتهم ومؤسساتهم للإقامة والتعليم والعمل، وكانوا افضل سفراء لنا، و مصدر اعتزاز وتقدير لكفاءتهم وإخلاصهم، كما استقبل بلدنا، وما يزال، اشقاءنا بذات الروح الأخوية الوثابة لاحتضان الشقيق، والترحيب به وتكريمه، وانزاله -حيث مقام الضيف العزيز عند الأردنيين- صدر الدار، وحيث لا فضل لشقيق على شقيق الا بالمحبة والطيب والمعروف.
مثلما نعتز أننا أردنيون، وأننا الوجه الجميل لأمتنا، الحريصون عليها، نعتز، أيضا، باشقائنا في قطر والعراق، وكل الجزيرة العربية والخليج، ونفتخر بإنجازاتهم، ولا نسمح أن تكون الإساءة، من أي طرف، مشتركات طارئة بيننا، أو عوامل لبعث الخلافات داخل بيتنا الواحد، سواء أكان ذلك باسم الرياضة أو السياسة أو غيرهما، فنحن -أقصد الأردنيين - كنا النموذج للبناء لا الهدم، واللقاء لا الفرقة، والتصافي لا الخصومة، وإذا خسرنا مباراة او مصلحة ما، فلا يجوز أن نخسر أخلاقنا ولا اشقاءنا، هكذا نحن وهكذا يجب أن نبقى على الدوام، لا ننتظر من احد اي اعتذار، فنحن نتسامى عن رد الإساءة والخطأ من موقع السماحة والاقتدار، لا من موقع الضعف والانكسار.