أكثر من 100 يوم وما تزال شهية الاحتلال المجرم في فلسطين لم تكتفي من قتل وتدمير وتخريب في قطاع غزة ومدن الضفة الغربية وغيرها من المدن في كل ربوع فلسطين المحتلة وواسطة عقدها مدينة القدس الشريف، فمازلنا نرى كل يوم زيادة في جرائم هذا الاحتلال دون احترام ولا اعتبار لا لقانون إنساني ولا دولي ولا أية اعتبارات لاحترام النفس البشرية ولا حتى الحيوانية، في محاولة يائسة لكسر إرادة شعب لم تنجح آلة بطش الاحتلال في كسرها منذ أكثر من 70 عاماً ولن تنجح بإذن الله، ذلك لأنها تحاول كسر إرادة شعب متجذر في أرضه إعتاد إيثار الموت في أرضه بعزته وكرامته جيلاً بعد جيل على إعطاء الدنية لمحتل غاصب مجرم جبان، إعتاد على أن لا يستقوي إلا على الأطفال والنساء والمدنيين العزل.
ومن المهم اليوم في معركة الحق والباطل الاهتمام بإيضاح الحقائق لأجيالنا القادمة ليكونوا على دراية ووعي بحقيقة ما يجري حولهم، خصوصاً مع الحرب الطاحنة من حولهم، ليست العسكرية فقط، بل والحرب على كل المبادئ والقيم الأخلاقية التي تربينا عليها في أمتنا الإسلامية والعربية، في محاولة لطمسها ومحوها وتبديلها بكل انحطاط وانحلال وتفسخ يسمح لأعداء الأمة تحويل شبابها لأدوات يتحكمون بها لتدميرها والسيطرة عليها كما يحبون ويشتهون.
وقد رأينا منذ أول يوم للحرب في غزة كيف خرج زعماء الاحتلال الجبان لتسويق الحرب على أنها حرباً دينية على كل يهود العالم، وأنها جاءت للقضاء على اليهود وحرقهم وإبادتهم، وهم يعلمون قبل غيرهم كذب ادعاءاتهم وزيفها، فهاهم اليهود يعيشون في جميع أنحاء العالم الإسلامي والعربي منذ عشرات السنين ولم نسمع يوماً أن مسلماً قتل يهودياً لأجل دينه أو اعتدى عليه لأجل ذلك، برغم كل ما نرى في فلسطين من إجرام القائمين على هذا الاحتلال المجرم من أتباع الديانة اليهودية الغارقين في التطرف والإجرام والعاملين ليل نهار على تحويل أرض فلسطين لدولة لليهود في العالم.
وبرغم كل ذلك رأينا المقاومة الفلسطينية منذ أول تؤكد على مبدأها الثابت بأن معركتها ليست مع ديانة في أرض فلسطين، بل مع إحتلال جاثم فوق أرضها أياً كان دينه أو كانت عقيدته، وهي التي تكفل لها جميع الشرائع والديانات السماوية وكل الأعراف والقوانين الدولية محاربته والعمل على إخراجه من أرضها بكل الوسائل التي تتاح لها، وقد رأينا قبل فترة سقوط أحد جنود الاحتلال في غزة، وكانت المفاجئة لكثيرين عندما تابع هؤلاء صلاة الجنازة على ذلك الجندي الذي للمصادفة كان إسمه أحمد!
لكن من يعلم حقيقة مجريات الأمور على أرض فلسطين يعلم بأن هذا الجندي المسلم من بدو صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، والذي سقط وهو يدافع عن أكبر احتلال مجرم في العالم ما هو إلا مرتزق من وحدة استطلاع البدو التي قام الاحتلال بتأسيسها في العام 1987، وهي تضم جنوداً عرباً مسلمين ومسيحيين إلى جانب أتباع الديانة اليهودية بالتأكيد، وهذا ما يظهر حقيقة هذا الاحتلال الذي لا يختلف عن أي احتلال آخر، في العمل على تجنيد كل من يستطيع من البشر الموجودين في الأرض التي يحتلها خدمة لمصالحه وأهدافه، بل وحتى استغلال الحجر لأجل ذلك ان إستطاع لذلك سبيلاً، وفي المقابل فذلك الجندي الذي إختار خزي الخاتمة لحياته لا يختلف عن أي مرتزقة كانوا يرهنون أنفسهم للاحتلال في أراضيهم ويخدمون مصالحه، بل ويدافعون عنه لأجل العيش بسلام الذل والمهانة الذي يرسمه لهم المحتل في بلادهم، وسرعان ما يجدون رصاصة وسط أعينهم من ذلك الاحتلال في أي لحظة يرى منهم حتى تفكيراً في الخروج عن الخط الذي يرسمه لهم.
وفي مقابل ذلك نرى رجلاً آخر كان اسمه أحمد، أرسله الله رحمة للعالمين وسيداً للأولين والآخرين، وخاتماً للأنبياء والمرسلين النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، من نتبعه ونتابع خطواته كيف كان يتعامل مع كل من يعيش في دولة الإسلام من المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى بأرقى السبل والعناوين ويجاورهم أطيب الجوار طالما كانوا يعيشون مع غيرهم بسلام وأمان، وهو الذي تعلمنا منه الدفاع عن مقدساتنا وأراضينا والوقوف في وجه كل محتل يعتدي على الأرض والعرض ويستحل البلاد والعباد، وعدم تسليم مصائرنا للمحتل مهما كانت الصعاب والتحديات، فهكذا تكون حياة العزة والكرامة التي بالتأكيد ليس بالضرورة أن يعرف معناها الحقيقي الإنسان بمجرد أن يكون إسمه أحمد فقط.