زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - «قد لا تحب حماس لكن حتماً تحب الأردن»… قد تختصر هذه العبارة وإن كانت رومانسية، سياسياً، إلى حد ما، الكثير من المسافات الطويلة والماراثونية في اتجاه البحث عن «مقاربة أردنية» وطنية تقلص مساحة «المغامرة والمجازفات». العبارة نفسها تتحول إلى «إيقاع أعمق» في الدلالة عندما تتصدر وسط نخبة من «المتقاعدين العسكريين» أو كبارهم.
والرؤية هنا تدفع في اتجاه التأمل عندما تصدر مثل هذه المقاربة من جنرال بارز وخبير متقاعد هو الفريق قاصد محمود، النائب الأسبق لرئيس الأركان الأردني، وعلى هامش «نقاش فعال وحيوي» مباشر مع «القدس العربي» يحاول متابعة إطلالات تلفزيونية عبر «الجزيرة» في السياق التحليلي والتشخيصي للجنرال محمود برزت مؤخراً.
ظهر الجنرال محمود في أكثر من جملة إعلامية متلفزة مؤخراً، لكن ما لفت نظر «القدس العربي» تحديداً هو ترديده تلك العبارة عندما استفسرت عن الخيارات أمام الأردن في ظل الوضع الحالي. والفكرة باختصار هنا أن الميل الشخصي أو الفردي أو حتى المؤسسي لحركة حماس أو فصائل المقاومة الفلسطينية، مسألة خيار للأفراد والحكومات.
لكن حب الأردن والانتماء للنظام الهاشمي مسألة لا تقع في دائرة ومستوى الخيارات، بل في إطار الواجب والعقيدة، خصوصاً إذا تطلب الأمر «مقاربة تعيد النظر» في مقتضيات ومتطلبات تلك العلاقة المباشرة بين ما تقدمه المقاومة اليوم في فلسطين المحتلة من «أداء محترم ومقدر وبطولي» وبين «حزمة المصالح الأردنية الحيوية».
الأهم أن ما يردده الجنرال محمود هنا وغيره من المؤشرات المباشرة على الزاوية التي ترى من خلالها نخب عسكرية وسياسية ووطنية أردنية متقدمة فيها مصالح الأردن في ظل قواعد الاشتباك مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ورغم بعض الأقاويل التي يرددها سياسيون وموظفون هنا وهناك بعنوان أن الأردن لا مصلحة له بانتصار لا حكومة اليمين الإسرائيلي ولا فصائل المقاومة في قطاع غزة، فإن الانطباع يتراكم أكثر بأن التشبيك الحيوي والجذري والعميق مع المقاومة الفلسطينية اليوم هو الخيار الوطني الأسلم، ليس للأردنيين على المستوى الشعبي فقط، ولكن لدولتهم ومؤسساتهم ومشروعهم برمته.
لا يجد الجنرال محمود فرصة للاسترخاء وهو يزيد خلال «دردشة حارة» مع «القدس العربي» معلقاً بأن كل من يرى أن مصالح الأردن اليوم خارج صمود المقاومة في المعادلة الفلسطينية، فعليه أن يراجع عقله ويختبر رشده، فتلك مسألة باتت محسومة إلى حد بعيد. وحتى على المستوى الرسمي، رأت شخصيات بارزة ومؤثرة من بينها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، كما قدرت ولمست «القدس العربي» أيضاً مباشرة من الرئيس الفايز الذي يعيد مرة تلو الأخرى التأكيد.. «حيثما يوجد احتلال، فالمقاومة طبيعية ومطلوبة وشرعية».
خيارات المقاومة ضد المحتل في الأرض الفلسطينية لا تلحق ضرراً بالمصالح الأردنية، بل تصبح في بعض التفاصيل واجبة والتشبيك معها أساسي بقياسات ومقاربات شخصية مخضرمة أيضاً من وزن رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب.
أبو الراغب وآخرون من أقرانه أعضاء نادي رؤساء الوزارات، قدروا عملية المقاومة في يوم 7 أكتوبر، ومن بين هؤلاء عبد الكريم الكباريتي، الذي وصفها بأنها عملية مقاومة إبداعية ترد على العجز العربي وغياب المصداقية عن المجتمع الدولي.
في مقايسات أبو الراغب، لا مجال للاجتهاد في القول بأن خوض المقاومة الفلسطينية لمعركتها الآن بصمود وصلابة خلافاً لأنها مسألة محط إعجاب وتقدير، إلا أنها في تأطير المصالح الحيوية الأردنية، وإن كانت المعادلة التي يطرحها الفريق محمود أكثر عمقاً وصلابة وهو يرى بأن ممارسة الانتماء والولاء للوطن الأردني والنظام مسألة ليست في سياق خيارات شخصية أو رغائبية وينبغي أن تحكم المقاربات.
لذا، من لا يؤمن بدور المقاومة الفلسطينية الآن ومرحلياً في هذه المنطقة والمساحة طبعاً، يحتاج لمراجعة رشده وعقله حتى لا نقول إنه لا يوفر الحد الأدنى المطلوب من اشتراطات الولاء والانتماء.
في كل حال، تزيد المقاربات في الاتجاه المعاكس للسلام والتطبيع. ويميل الأردنيون على المستوى النخبوي الآن للغوص في التفاصيل، ويحاولون مساعدة دولتهم ونظامهم ومؤسساتهم في رسم سيناريوهات محتملة.
وحجم الانقلاب الإسرائيلي على المصالح الأردنية المباشرة الرسمية ليس من الصنف الذي يمكن تجاهله حتى برأي وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، الذي اضطر في ندوة عامة لإعلانها بصراحة تامة قائلاً: «الدرب الوحيد المتبقي أمام إنجاز دولة فلسطينية قد يكون الاستمرار في المقاومة ليس في قطاع غزة فقط، ولا من جهة فصائل المقاومة فقط، ولكن في الضفة الغربية ومن الكل الفلسطيني.
لغة الأردنيين ولهجتهم بهذا المعنى تتطور وتنمو في أكثر من اتجاه. وهذا يعني أن الفرصة لم تعد مواتية حتى أمام النخب العسكرية التي بدأت تظهر بكثافة في صدارة المشهد الإعلامي والوطني أمام الاسترسال بترديد المعلبات التراثية البيروقراطية.
من يؤمن عقائدياً بالانتماء والولاء يفترض ـ كما تقول ضمناً العبارات العميقة الجارحة وطنياً للفريق محمود ـ أن يتصرف الآن في مواجهة أطماع وطموحات وعربدة وهيمنة الطاقم الإسرائيلي الحاكم، على أساس رؤية تقرأ الواقع بعمق، خصوصاً أن الأردن كان ولا يزال وسيبقى وطناً أو بلداً ومؤسسة في حضنها العديد من الأوراق والخيارات، وفقاً لتعبير عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني.
«القدس العربي»