فما بين التنبؤات التوراتية والتلمودية، والتفاسير القرآنية، والتحليلات السياسية والإستخباراتية، وإستقراء الأحداث للعلماء والمفكرين، والإنقسام الداخلي غير المسبوق الذي ينهش في أروقة الكيان الصهيوني، نتطرقُ في هذا المقال لقراءات أشارت بما لا يدع مجال للشك عن زوال إسرائيل من الجغرافيا والوجود.
القلق بشأن زوال إسرائيل يعتبر قضية حساسة لليهود، إذ يثار الشك في مستقبل الدولة اليهودية نفسها. يشير الإسرائيليون إلى أمثلة تاريخية تبين أن "مملكة داود وسليمان"، التي كانت الدولة اليهودية الأولى، لم تستمر لأكثر من 80 عاماً، وبالمثل "مملكة الحشمونائيم"، الدولة الثانية لليهود، انتهت في العقد الثامن من تأسيسها، بينما إسرائيل، وهي "الدولة الثالثة" لليهود، دخلت عامها الخامس والسبعين من التأسيس.
قد يبدو الحديث عن "زوال إسرائيل" مبالغاً فيه وغير مستند إلى تحليل منطقي، ولكن عند قراءة الوضع الداخلي لهذا الكيان الصهيوني وإستناداً إلى الإعترافات التي تصدر من منظومته السياسية والفكرية والعسكرية، يظهر التشكيك في مستقبل "إسرائيل" ويعزز مصداقية نبوءة إندثارها.
وكانت حادثة هروب الإسرائيليين خلال عملية طوفان الأقصى إشارة واضحة إلى ذلك، إذ جرى تداول مقاطع فيديو على وسائل التواصل الإجتماعي تظهر هروبهم من دون النظر إلى الوراء، ما يشير إلى عدم إرتباطهم بالأرض وإعترافهم بأنهم محتلون لأرض غيرهم وزائلون.
في مقال لرئيس الوزراء السابق "إيهود باراك" في صحيفة "يديعوت أحرنوت" بمناسبة الذكرى الـ74 لتأسيس إسرائيل، أكد أنه في تاريخ الشعب اليهودي لم تستمر دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً إلا في فترتين، وكان في كلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن، وتنتهي الدولة الصهيونية الحالية في العقد الثامن.
ويخشى أن يتأثر هذا العهد الثامن باللعنة نفسها التي أصابت الدول اليهودية السابقة، مثل "مملكة داود" الأولى في الفترة بين عامي 586-516 قبل الميلاد و"مملكة الحشمونائيم" في الفترة بين عامي 140-37 قبل الميلاد، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان إستمرتا لأقل من 80 عاماً في تاريخ الشعب اليهودي.
أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في عام 2017 أنه يجب العمل على ضمان استمرارية إسرائيل لمدة 100 عام، وأشار إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن إستمرت دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً.
وصرح وزير الحرب الإسرائيلي الحالي، بيني غانتس، بأن هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل، وتوقع أن تتقلص الدولة الإسرائيلية بين مستوطنتي غديرا والخضيرة.
من جانبه، أعرب يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي، عن قلقه إزاء التهديد الداخلي الذي يشكله أزمة الهوية والديمقراطية في إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، يعتقد المحلل الإسرائيلي آري شافيط أن إسرائيل تواجه نقطة لا عودة وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة. يرى أن الإسرائيليين يدركون أنهم أصبحوا ضحية لكذبة صهيونية ويشير إلى وجود عملية تدمير ذاتي ومرض سرطاني في إسرائيل يصل إلى مراحله النهائية.
يعتقد المؤرخ الإسرائيلي، بيني موريس،أن إسرائيل ستشهد إنحلالاً وغوصاً في الوحل، ويتوقع إنتصار العرب والمسلمين وتحول اليهود إلى أقلية في تلك المنطقة، إما بأن يطاردوا وإما يُقتلوا.
تعاني إسرائيل في الوقت الحالي انقساماً داخلياً مستعصياً، إذ تتفكك القوى البرلمانية المختلفة التي من المفترض أن تشكل الحكومة، فتتكون تحالفات رئيسية تضم عدداً كبيراً من الأحزاب.
تعد الحكومة الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو من بين المؤشرات الخطيرة على ضعف إسرائيل، فهي تتعرض للعديد من التظاهرات الرافضة لها والمطالبة برحيلها وخاصة بعد فشلها الذريع في التصدي لعملية طوفان الأقصى واختطاف الرهائن.
بالإضافة إلى ذلك، تفتقد إسرائيل اليوم قادة مؤسسين قادرين، إذ يعاني الساسة الحاليون الفساد والإنتهازية والإهتمام بمصالحهم الشخصية قبل كل شيء. يصف الباحث السياسي أفرايم غانور حالة الإسرائيليين بأن الأرض تهتز تحتهم، إذ يشاهدون أمة مشتتة ومجتمعاً متقسماً، وينتظرون قائداً ومعجزة تخلصهم من الكراهية المستعرة التي تأكل كل جزء من الدولة.
تنمو قوة المقاومة الفلسطينية، وتزداد إعتمادية الناس عليها كمصدر للإلهام والقدوة، وتظهر في غزة جرأة كبيرة وقدرة على المبادرة، وظهرت هذه القدرة في المعركة الأخيرة "طوفان الأقصى"، إذ ظهرت في تحدٍّ واضح لإسرائيل. المقاومة لديها أيضاً قوة ردع، وأصبحت إسرائيل عاجزة عن تنفيذ سياسة الإغتيالات أو تقليص قوتها من خلال المعارك، تشكل غزة تهديداً في كل حدث مهم، مثل إقتحام الأقصى أو ذبح القرابين أو إجتياح مخيم جنين.
عامل آخر يمكن أن يلعب دوراً في زوال إسرائيل هي التغيرات الديموغرافية، فإسرائيل تواجه تحديات فيما يتعلق بتوازن الديموغرافيا بين اليهود والعرب في داخل حدودها، إذا إستمرت معدلات النمو السكاني للعرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي إسرائيل نفسها بمعدلات عالية، فقد يتغير التوازن الديموغرافي بشكل كبير.
عامل آخر يمكن أن يؤثر في إستمرارية إسرائيل هي التغيرات الإقتصادية والتكنولوجية، إسرائيل معروفة بابتكاراتها وتقدمها في مجال التكنولوجيا والبحث والتطوير، ومع ذلك، إذا تدهورت الأوضاع الإقتصادية وتراجعت القدرة التنافسية لإسرائيل على المستوى العالمي، فقد يكون لذلك تأثير في إستمرارية الدولة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي