مع كل مرحلة صعبة من مراحل القضية الفلسطينية ومع كل نكبة سياسية أو عسكرية أو إنسانية مرت وتمر بها القضية، مفيد ألا ننسى مراحل سبقت لأنها كانت حجر الأساس للوضع المتردي الحالي.
لن نعود إلى أربعينيات القرن الماضي وما قبله رغم مافيها من أحداث مهمة، لكن يكفي أن نتوقف عند قرار القمة العربية عام 1964 بإنشاء منظمة التحرير، حيث كانت دون الفصائل الفلسطينية التي لم يكن معظمها قد ظهر أو انطلق، لكن جمال عبد الناصر جاء بالمنظمة يوم أن كان جيشه يقاتل في اليمن، لكنها بالنسبة له اداة لتوسيع نفوذه ومناكفة خصومه ومنهم الأردن الذي كان يحكم الضفة الغربية، وكان قائد المنظمة معنيا بالهجوم على الأردن أكثر من الهدف العام لقدومه، وكانت الغاية من المنظمة أن تكون أداة للنزاعات العربية وقفازا لجمال عبدالناصر في مواجهة دول عربية أولها الأردن.
وبعد ان ظهرت الفصائل بالتدريج وبعد هزيمة حزيران كان الأردن وكل الدول العربية في وضع سياسي وشعبي صعب، فجاءت المنظمة بشكلها الجديد إلى الأردن لمقاومة إسرائيل، لكن الوقت كان قصيرا قبل أن يكون الخطأ الأكبر بتحويل البوصلة من فلسطين إلى الأردن حيث أصبح الهدف "تحرير" الأردن من قيادته وأهله تحت شعار تحرير فلسطين، وكانت المرحلة استمرارا لخطأ التحول إلى اداة لدولة عربية ضد أخرى، وأيضا شهوة السلطة، دون أن يدرك من رفعوا شعارات " كل السلطة للمقاومة " في عمان أنهم يسعون لإقامة وطن بديل حتى قبل أن تتحدث إسرائيل عنه.
وتكررت الخطيئة في لبنان، وأصبح ممثلو القضية جزءا من صراعات لبنان الداخلية وجزءا من صراعات الدول في ساحة لبنان، وبقيت الدوامة بلا إنجاز حتى كانت سفينة الخروج من بيروت إلى تونس وغيرها، وتفكك الجسم العسكري لفتح وفصائل أخرى على ظهر تلك السفينة المتجهة إلى تونس وغيرها وتحولوا شيئا فشيئا إلى جسم سياسي انتهى به الأمر إلى الاعتراف بإسرائيل تحت لافتة إعلان إقامة الدولة الفلسطينية عام 1988.
وكانت خطوة إعلان الدولة مقدمة لما تم بعد ذلك من الدخول في مفاوضات، وكانت لدى ياسر عرفات عقدتان الأولى هي الأردن رغم فك الارتباط وقرار قمة الرباط، وعقدة فلسطينيي الداخل، عندما أصرت إسرائيل على أن يكون الوفد الفلسطيني من الداخل وليس من المنظمة، ورفضت أن يكون هناك وفد فلسطيني مستقل فكان الحل وفدا أردنيا فلسطينيا مشتركا، وقبل الأردن خدمة للفلسطينيين، لكن عقدة الأردن ووفد الداخل بقيت مسيطرة على قيادة المنظمة، فكانت مفاوضات أوسلو السرية طريقا للالتفاف على وفد الداخل والوفد المشترك مع الأردن، ودفعت القضية الفلسطينية ثمنا باهظا جديدا حتى يعترف الأميركان وإسرائيل بياسر عرفات والمنظمة، فكان اتفاق أوسلو الذي نراه اليوم والذي جاء بسلطة خدماتية وواجبها الأهم التنسيق الأمني مع إسرائيل وما تزال منذ توقيع اتفاق أوسلو إلى اليوم.
ولنتذكر أن أول اتفاق عربي مع إسرائيل بعد كامب ديفيد كان بين الفلسطينيين عبر "ممثلهم الشرعي والوحيد" منظمة التحرير وإسرائيل، وكانت أجزاء مهمة من تفاصيله ثمنا، قدمته المنظمة لإفشال فكرة الوفد الفلسطيني من الداخل والحصول على اعتراف أميركي إسرائيلي بها، وايضا للهروب من وفد مشترك مع الأردن قبل به الأردن خدمة للمنظمة وليس لأمر آخر.
مكانة قضية فلسطين والقدس لا تعني حصانة لأفعال من كانوا في كل مراحلها من الذهاب إلى مربعات سلبية أو أن يكونوا حطبا في نيران الخلافات العربية والإقليمية أو أن يذهبوا في مسارات نهايتها خطايا إستراتيجية تركت وما تزال آثارا على القضية الفلسطينية التي يكفيها عدوانية الاحتلال وتفاني حلفائه من الدول الكبرى في مساعدته في كل المجالات.
المرحلة اليوم من أصعب المراحل في تاريخ القضية الفلسطينية، وعنوانها إجرام صهيوني، وعنوانها الآخر انقسام فلسطيني محزن، فلم تستطع كل الدماء على أرض غزة أن تجمع فصائل الفلسطينيين في اجتماع لمواجهة الاحتلال.
نتمنى ألا نكون في مرحلة نتائجها وآثارها مثل كل مرحلة دفعت القضية الفلسطينية إلى الوراء عشرات السنين، وأن تكون هناك استفادة من دروس المراحل الكارثية التي كانت وصنعت الواقع الذي نراه.