زاد الاردن الاخباري -
لم يغادر الأردن يوما منطقة الأزمات الإقليمية، فقد كان وما يزال في عين العاصفة بحكم موقعه الجيوسياسي ودوره في قضايا الامة، التي يعبر عن التزامه بها، ويعلن صلابة موقفة وثوابته منها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
فمنذ اندلاع 7 أكتوبر الماضي أو ما عرف بـ”طوفان الأقصى”، استجاب الأردن الرسمي والشعبي لانحيازاته وثوابته التي دأب على الالتزام بها تاريخيا، معززا خطابه ودوره وفق امكاناته، وصار مستوى الاشتباك من الاحداث الجارية في قطاع غزة، أمام وحشية وهمجية الاحتلال الصهيوني بحق الأبرياء، يستوجب جهودا مختلفة عن سابقاتها في حقب الصراع العربي الإسرائيلي.
ولأجل فلسطين والدفاع عنها وعن غزة، كان الخطاب الشعبي كما هو معتاد أردنيا، لامس فيه الأردن، سقوفا تدين المتواطئ، وتطالب بمحاسبة المحتل على جرائمه، وتنادي بـ”فتح الحدود”.
في المقابل، وعلى نحو ينسجم مع هول الجريمة، لم يغادر الأردن دبلوماسيته الحيوية، فلم يقتصر على الاكتفاء بإدانة المحتل في خطابه وتحركه الرسمي، بل اتسع وتعمق باتباع تكتيك مهاجمة المجرم وتعرية جرائمه، وفضحه بالتحرك لمواجهة “جريمة الإبادة” المستعرة في القطاع، على مستوى قادة العالم ومراكز صنع القرار، ومؤسسات الأمم المتحدة، وحتى محكمة العدل الدولية التي تحدث فيها الفريق الأردني بوضوح لا لبس فيه، حول مسؤولية العالم عن جريمة الصمت على جرائم الاحتلال الوحشي.
ومع كل أزمة، يجد الأردن نفسه مشتبكا مع قضايا امته، مجترحا الحلول والمساعي لإنهائها، لكن في مقابل ذلك، تنشط آراء تشكك بمواقفه والطعن بها، وتجد لها مساحات في فضاءات التواصل الاجتماعي. كل ذلك، يثير تساؤلات حول محاولة إيجاد التفسير المنطقي لأسباب ارتفاع منسوب التشكيك والطعن بالأردن ومواقفه في الأزمات.
في هذا السياق، قال وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة، إن “هذا الأمر ليس خاصا بالأردن، لأننا نجده ضد دول عربية أخرى”، مضيفا “لكن من الواضح أن الجهات التي تستهدفه، تقوم بهذا الدور، وإن كان بشكل مختلف وأقل مع دول أخرى”.
ولفت المعايطة، إلى أن تطور وسائط التواصل التقني، ألغى الحدود بين الداخل والخارج، لكن ما تعرض له الأردن، جهد منظم لتثوير الرأي العام الأردني ضده داخليا، مشيرا إلى أن ذلك مرده قوى ذات امتدادات تنظيمية في الداخل، وايضا هنالك دول في الإقليم تحاول التشكيك والمسّ بصورة الأردن القومية.
وأضاف “للأسف هناك أناس عاديون وبحسن نوايا، يتعاملون مع اي إشاعة أو عملية تحريض على أنها حقيقة”، مؤكدا أن أي متابعة لما يتعرض لها الأردن من حملات منظمة، تكشف عن عدم عفويتها بل تبرمج وتوجه، مستغلة صدق الأردنيين مع قضايا أمتهم، وتعتمد الافتراء ونسج روايات كاذبة، ما يوجد تصديقا لدى بعضهم”، موضحا أن دراسة لغة ومنهجية ومضمون الحملات على الأردن، يفضح هوية من يقفون وراءها، فهي ذات أبعاد سياسية، تندلع من خصوم وأعداء يستعملون الحدث الفلسطيني في نطاق جهود منظمة، لتصفية حسابات لهم مع المملكة.
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية د. بدر الماضي، إنه “منذ بدء الحرب العدوانية على غزة وقبلها، كان الأردن يتعرض للتشكيك بمواقفه ولمساءلات في مواضيع ليس طرفا فيها، وهذا ما اعتاد عليه”، مضيفا “يبدو أن بعضهم استمرأ حقيقة مثل هذا التشكيك للنيل من سمعة وكرامة الأردن وقيادته”، مؤكدا أن هنالك أسبابا عدة وراء تفرد الأردن بهذه الحالة، مقارنة بدول عربية أخرى، وهي أن كثيرا من الحكومات والمؤسسات، تتأخر دائما بوضع المواطنين في صورة ما يجري على الأرض.
وقال الماضي “لو أخذنا فقط مثالا في الفترة الأخيرة، نرى ارتفاع وتيرة التشكيك في مسألة الجسر البري للكيان الصهيوني، إذ تأخرت الحكومة لأكثر من شهر ونصف، حتى أعلنت أنه لا علاقة لها بكل ما يجري الحديث عنه على وسائل التواصل، كما صرح رئيس الوزراء”.
وأضاف “للأسف هناك من هو بيننا وهم قلة، يحاولون التشكيك بموقف الأردن وقيادتها لصالح أجندة خاصة، ولصالح أهداف لا يرونها إلا بمنظورهم الضيق تجاه المملكة، ويريدون دائما تحميلها ما لا طاقة لها به”.
وأكد الماضي، أن الأردن يحاول أن يكون السباق في القضايا الإيجابية، وهذه إشكالية لا يستطيع رواد وسائل التواصل التفريق فيها بين المصلحة العليا للأردن وما له من إمكانيات للتصرف عبرها بما يجري في المنطقة والعالم.
وشدد الماضي، على أن الأردن محوري ومعنوياته مرتفعة جدا، من خلال معنويات قيادته، وهو دولة تحترمها الدول في العالم والقوى كافة، لكن “علينا الاعتراف بأن هناك قدرات محدودة لتأثيرها في الاحداث”، مشددا على وجوب ألا يُطلب منا أن نكون المؤثر الأول والأخير في الأحداث.
وقال، إن ما يمكن للحكومة فعله هنا، هو الرد والاستجابة عبر منصات تنشأ لهذا الغرض، مبينا أن تفعيل منصة “حقك تعرف” في الأسابيع الماضية إيجابي، موضحا أن على العالم والمواطنين، النظر للأردن بما لديه من إمكانيات وفي اطار دوره في الأمة العربية، بخاصة القضية الفلسطينية، مبينا أن من يريد النظر بوعي، يجب أن ينظر للامر عهنا من جوانبه كافة، وقياس ذلك على الدول العربية، عندئذ يمكنه المقارنة بما يقوم به الأردن وما يقوم به الآخرون.
وقال الماضي، إن كثيرين نسوا أن 25 % من المساعدات التي تصل للقطاع، مصدرها الأردن أو تمر عبره، وهذه قضية مهمة جداً عند الحديث عن مثل هذه القضايا.
مؤسس وعضو مجلس إدارة مركز وحماية الصحفيين نضال منصور، قال “قبل الحديث عن التشكيك بمواقف الأردن، يجب التأكيد أن موقفه وسرديته التي أعلنها منذ بدء العدوان على غزة، متقدمة، عبر عنها جلالة الملك ووزير الخارجية”.
وأضاف منصور “في آخر محطتين، بلور الموقف الأردني أهميته عبر الحديث الذي أدلى به جلالة الملك عبدالله الثاني في واشنطن بحضور الرئيس الأميركي، وبالمرافعة الشفهية التي تلاها وزير الخارجية في محكمة العدل الدولية، كذلك ما قدمه الأردن في مؤتمر ميونخ للأمن”، مؤكدا أن هناك سياقا ممنهجا تقوم به مجموعات أو دول، لتقويض أي سردية قوية متماسكة، تكشف عن جرائم الاحتلال.
وقال “ربما تكون أطراف صهيونية تسعى للتقليل من قوة وتماسك الخطاب الأردني الذي يناصر القضية الفلسطينية، ويقدّم تصورا لم يبدأ في 7 اكتوبر بل هو مستمر منذ 75 عاما، ما يؤكد أن زوال الاحتلال وإعادة الحق الفلسطيني، هي كلمة السر الأساسية في هذا المعطى”.
وأضاف “يجب أن نسأل أنفسنا، هل هناك بناء تصوّر متماسك في الدولة الأردنية يقدّم هذا الخطاب ويروج له بوضوح؟”، مبينا أنه “إذا ما ذهبنا أبعد من الجهد الذي يقوم به وزير الخارجية، فما هي الخطة المتبعة أردنيا لتسويق خطابه ومواجهة التشكيك بمواقف الاردن؟ هل هذا الموضوع مربوط بوسائل الإعلام؟ أو بالنشطاء في فضاء المجتمع المدني؟ هل هو التماهي مع دور مؤسسات المجتمع المدني؟”.
ولفت منصور إلى أن هناك ثغرات في هذا الجانب، وعلى الدولة ألا تعتمد فقط على أن هناك خطابا واضحا يصدر من جلالة الملك، مشددا على ضرورة أن يكون هناك تصوّر كامل متكامل متناغم يسير في هذا الاتجاه.
وتساءل “هل هناك إفصاح ردًا على الإشاعات بشكل حاسم وواضح وتوفير للمعلومات؟”، مشيرا إلى الحاجة لردع أي إشاعة تحاول إضعاف موقفنا”، متسائلا: هل هناك إفصاح مستند على معلومات وأدلة، تمكّن الراغبين بالدفاع عن الأردن من أن يكونوا قادرين على استخدام هذه المعلومات.
وحول ما إذا كان الأردن معرضا وحده للطعون والتشكيك، قال منصور الأمر لا يقف على الأردن، فهناك دول وأشخاص يُستهدفون بشكل ممنهج ومقصود، وهذا الأمر يتزايد في الأزمات، وبالتالي فالأردن، ومنذ بداية الحرب، وتحركاته إنسانيا وحقوقيا وعلى المنابر الدولية، يشكل حالة صادمة بمواقفه الصلبة أمام قوى ضغط تريد إضعاف موقفه.