خذلان اميركا لحلفائها في المنطقة العربية يتكرر بين حين وآخر، والقصة ليست مفاجئة فأميركا تبحث عن مصالحها وأولوياتها، لكن حتى تلك المصالح فهي في مستويات وأولويات يغيب العرب عن أهميتها أحيانا كثيرة.
العدوان الصهيوني على غزة محطة جديدة من محطات الخذلان الاميركي لحلفائها في الإقليم، ولم يكن متوقعا ألا تكون اميركا منحازة لإسرائيل لأن هذا الامر من حقائق الكون وليس فقط من بديهيات السياسة الاميركية، لكن حالة الذوبان لأميركا في العدوان العسكري الاسرائيلي والمشروع السياسي لهذا العدوان وصلابة التأييد السياسي والتفويض الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل كان مختلفا عن كل ما سبق، وخاصة من إدارة بايدن التي كانت تظهر تباينات مع نتنياهو إلى ما قبل العدوان بأسابيع.
وحتى الدول العربية التي تختلف مع حماس ولديها تباينات سياسية معها، فإن استمرار العدوان لهذه الأشهر الطويلة بكل خسائره البشرية والقتل والموت والنزوح الداخلي والجوع ونقص الامدادات المعيشية يشكل ضررا لها سياسيا وانسانيا، كما ان استمرار العدوان كما تسعى له اسرائيل سيذهب بالقضية الفلسطينية الى تصفية وكل الاذى سيلحق بالشعب الفلسطيني الذي يقدم الشهداء والجرحى ويتعرض لأوضاع انسانية خطيرة، إضافة إلى آثار هذا العدوان على استقرار المنطقة اقتصاديا وسياسيا. كذلك فإن الدول التي تؤمن بالسلام وتدعمه فإنها اليوم الأكثر تضررا مما يجري في غزة، فمصر والأردن والسلطة الفلسطينية تتعامل مع خطر التهجير الذي لا تخفي اسرائيل نواياها ولا خطواتها العملية في اتمامه في غزة وايضا خطره في الضفة الغربية، وهما دولتان من الدول الاقرب الى واشنطن بل وهناك شراكات في ملفات كبرى في الإقليم مثل الارهاب والتطرف وملفات مهمة اخرى.
في ذاكرة حلفاء اميركا ما جرى في فترة ما يسمى الربيع العربي حيث ذهبت الادارة الاميركية الى تفاهمات كان ضحيتها بعض الانظمة السياسية الاقرب لواشنطن، اضافة الى التعامل الاميركي مع ايران الذي كان متخما بالتهديدات منذ مجيء الخميني وحتى اليوم لكن كل سياسات واشنطن كانت بوابة إيجابية لإيران لتوسيع نفوذها في المنطقة وفق الخريطة التي نراها اليوم والتي يدفع ثمنها الدول وشعوب عربية.
ليست حالة مفاجئة مكانة إسرائيل لدى أميركا، لكن سياسة واشنطن فيما يتعلق بالعدوان على غزة فلم يكن في معادلتها الا اسرائيل دون مراعاة مصالح حلفائها في الإقليم الذين يشعر بعضهم بالخذلان مرة أخرى من واشنطن...