زاد الاردن الاخباري -
الغواصات المسيرة هي مركبات مائية غاطسة تعمل تحت الماء من دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر، وهي مزودة بأحدث التقنيات بما في ذلك أنظمة الاتصالات الحديثة وأجهزة الاستشعار ونظام تحديد المواقع وأنظمة الملاحة المتطورة.
وللغواصات المسيرة استخدامات مختلفة تتراوح بين البحث العلمي والاستكشاف وتنفيذ المهام العسكرية والأمنية.
أنواع الغواصات المسيرة
يوجد نوعان أساسيان من الغواصات المسيرة:
الغواصات التي يتم التحكم بها عن بعد: إذ يتم التحكم بهذا النوع من الغواصات يدويا عن طريق مشغل بشري، والهدف منها هو تفادي إرسال البشر في مهام صعبة تحت الماء، وغالبا ما تستخدم لأغراض بحثية علمية أو لأغراض صناعية.
يحتوي هيكل هذا النوع من المركبات على كاميرا وأجهزة استشعار، إضافة إلى مقبض يمَكّنها من التقاط الأشياء تحت الماء، وقد طورت البحرية الأميركية هذا النوع من الغواصات ليتم استخدامها كذلك في عمليات الإنقاذ تحت الماء، إذ يمكن لمركبات "إس آر دي آر إس" الأميركية إنقاذ ما يصل إلى 16 شخصا حتى عمق ألفي قدم تحت الماء.
الغواصات ذاتية التحكم: وهي مركبات لا تحتاج إلى مشغل بشري للتحكم فيها عن بعد، فهي مبرمجة للعمل بشكل آلي وبتشغيل ذاتي، وتتراوح أوزانها بين بضعة كيلوغرامات وبضعة أطنان، وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الـ21، تم تطوير 10 غواصات ذاتية القيادة مختلفة، بينها مركبات ذاتية الدفع وطائرات شراعية تحت الماء.
تاريخ الغواصات المسيرة
تمت صناعة الغواصات ذاتية التحكم للمرة الأولى عام 1957 بغرض إجراء الأبحاث في مياه القطب الشمالي لمختبر الدكتوراه التطبيقي في جامعة واشنطن، ومنذ ذلك الحين عمل العلماء على تطوير نماذج جديدة ذات مواصفات أفضل من هذه المركبات.
وفي عام 1983، طورت شركة "آي إس إي" المحدودة -بالشراكة مع "الشركة الدولية لهندسة الغواصات"- مركبات ذاتية التحكم وأخرى يتم التحكم بها عن بعد، وتم إنتاج غواصات متطورة من حيث عمر البطارية وأنظمة الملاحة والاتصالات.
وفي الفترة الزمنية ذاتها، استطاع المعهد الروسي للتكنولوجيا البحرية تطوير غواصات مسيرة تعمل بالطاقة الشمسية، وتستطيع القيام برحلات استكشاف طويلة المدى. وقد أتاحت هذه الغواصات تنفيذ مهام أطول، مع القدرة على استخدام ميزات مثل نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس).
ومكّنت إطالة عمر البطاريات من إنشاء "غواصات مسيرة شراعية" عام 1995 سمحت بالغوص الطويل المدى، إذ تظل المركبات تحت الماء لأسابيع أو حتى أشهر قبل استعادتها للصيانة.
وشهدت بداية القرن الـ21 ثورة في صناعة وتطوير الغواصات المسيرة بنوعيها، وباتت استخداماتها متعددة للغاية، إذ ارتفع عدد مستخدميها على المستوى الدولي، وبسبب زيادة الطلب عليها بدأت عمليات البيع التجاري للغواصات المسيرة، وتوسع نطاق الأبحاث الخاصة بتطوير هذه الغواصات بحيث تناسب تنوع الاستخدام بين الصناعي والتجاري والحربي وغيره.
مزايا الغواصات المسيرة
تتميز الغواصات المسيرة عن الغواصات العادية بخصائص مختلفة أبرزها:
أنظمة الاتصالات المحسنة: إذ تم تجهيز الغواصات المسيرة بأنظمة اتصالات متقدمة، مما يسمح لها بتأمين اتصالات آمنة حتى في أصعب الظروف تحت الماء. وهذا يتيح التواصل السلس بين الوحدات العسكرية المختلفة تحت الماء.
كفاءة أعلى: فالغواصات المسيرة قادرة على العمل بشكل مستقل، مما يقلل بشكل كبير من الحاجة إلى المشاركة البشرية. مع العلم أن قدرتها على أداء المهام دون تدخل بشري تزيد من الكفاءة بشكل كبير وتوفر الوقت وتقلل من المخاطر التي تهدد حياة الإنسان.
عمليات التخفي: على عكس الغواصات العادية، لا تصدر الغواصات المسيرة أصواتا مرتفعة، مما يجعلها خيارا مثاليا لمهام التخفي، إذ يمكنها جمع معلومات استخباراتية قيمة وتنفيذ أنشطة المراقبة من دون أن يلاحظها أحد، مما يوفر ميزة تكتيكية للقوات العسكرية.
جمع وتحليل البيانات: تم تجهيز الغواصات المسيرة بأجهزة استشعار متقدمة وأنظمة فعالة لجمع البيانات، مما يمكنها من جمع معلومات حيوية عن البيئة والمحيط والتهديدات المحتملة، ويمكن تحليل هذه البيانات لاتخاذ قرارات مناسبة بسرعة.
قدرات متعددة الأغراض: يمكن تعديل هيكل وتركيبة الغواصات المسيرة وتزويدها بحمولات مختلفة، مثل أجهزة الاستشعار والكاميرات وأجهزة الاتصال، اعتمادا على متطلبات المهمة. ويتيح هذا التنوع التكيف مع سيناريوهات مختلفة وتنفيذ مجموعة واسعة من المهام.
القيمة السوقية للغواصات المسيرة
بلغت قيمة السوق العالمية للغواصات المسيرة قرابة 3.02 مليارات دولار عام 2022، ومن المتوقع أن تنمو إلى 8.14 مليارات دولار أميركي بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي قدره 13.5%.
وأنفقت استثمارات كبيرة في مجال تطوير الغواصات المسيرة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لزيادة استقلالية هذه المركبات تحت الماء، وجعلها قادرة على العمل بكفاءة أكبر.
استخدامات الغواصات المسيرة
هناك عديد من الاستخدامات للغواصات المسيرة، يمكن إيجازها في ما يلي:
الاستخدامات العسكرية
تستخدم الغواصات المسيرة لخدمة عديد من الأهداف العسكرية، بما في ذلك جمع المعلومات والاستطلاع وتفجير الألغام البحرية، فضلا عن مشاركتها في الهجوم على السفن المعادية.
بدأت البحرية الأميركية باستخدام الغواصات المسيرة في تسعينيات القرن العشرين لاكتشاف وتعطيل الألغام تحت الماء، كما استخدمتها خلال غزوها العراق في العقد الأول من القرن الـ21 لإزالة الألغام حول ميناء أم قصر جنوبي البلاد.
ويستخدم الجيش الصيني الغواصات المسيرة في الغالب لأغراض جمع البيانات العسكرية والاستطلاع.
ويوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، اكتشف صياد في إندونيسيا غواصة مسيرة على شكل طائرة شراعية بالقرب من جزيرة سيلايار في جنوب سولاويزي. وقد صنف أفراد من الجيش الإندونيسي المركبة على أنها تابعة للبحرية الصينية، وتم إنشاؤها لأغراض جمع البيانات، بما في ذلك درجة حرارة الماء والملوحة ومستويات الأكسجين، وهي معلومات من الممكن أن تساعد في رسم الطرق المثالية للغواصات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ذكرت صحيفة "أوراسيا تايمز" أن جامعة هاربين الهندسية الصينية طورت غواصة مسيرة على شكل طائرة، وهي عابرة للمتوسط وقادرة على السفر تحت الماء والسفر الجوي، مشيرة إلى التطبيقات العسكرية المحتملة لمثل هذه المركبات.
وإجمالا، تصنع القوات البحرية لدول متعددة، بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، غواصات مسيرة لاستخدامها في حروب المحيطات بغرض اكتشاف الألغام تحت الماء والقضاء عليها.
وعلى سبيل المثال، تم تصنيع الغواصة "ريموس"، وهي عبارة عن روبوت يبلغ طوله 3 أقدام يستخدم لإزالة الألغام في ميل مربع واحد تحت الماء خلال 16 ساعة، ويعد هذا المعدل أكثر كفاءة من القدرة البشرية، إذ يحتاج فريق من الغواصين البشريين إلى ما يزيد على 21 يوما لأداء المهمة نفسها.
تصوير الأفلام الوثائقية
تستخدم الغواصات المسيرة كذلك في تصوير الأفلام الوثائقية، فقد تم استخدامها على سبيل المثال لتصوير فيلم بعنوان "الأسرار المظلمة" لسفينة لوسيتانيا، سفينة المحيط البريطانية التي أغرقها الألمان خلال الحرب العالمية الأولى، وهو فيلم تم إنتاجه من قبل مؤسسة "ناشونال جيوغرافيك"، وساعدت الغواصات المسيرة في تصوير لقطات احترافية لحطام السفينة.
كذلك كان للغواصات المسيرة دور في العثور على حطام السفينة "تيتانيك"، والتقطت له عديدا من الصور تم تضمينها في الفيلم الذي أنتجته المؤسسة نفسها عام 1986، والذي حمل عنوان "أسرار تيتانيك".
استكشاف أعماق البحار
وتعتبر هذه من أبرز المهام التي تقوم بها الغواصات المسيرة. فعلى سبيل المثال، تم استخدام هذه المركبات لجمع عينات من قاع البحار لمعرفة نسبة المواد البلاستيكية الدقيقة الموجودة فيها، ولاستكشاف الحيوانات والهياكل في أعماق البحار واكتشاف أنواع جديدة من الكائنات تحت الماء.
وتُستخدم الغواصات المسيرة بشكل شائع في أبحاث المحيطات، لأغراض مثل قياس شدة التيارات المائية ودرجة الحرارة، ورسم خرائط قاع المحيطات، والكشف عن الفتحات الحرارية المائية.
إعادة تأهيل النظام البيئي
تقدم عدة شركات غواصات مسيرة يمكنها جمع ونقل بيانات المياه عن بعد للحكومات المحلية، لتتخذ قرارات رئيسية في ما يتعلق بسياسات إعادة تأهيل النظام البيئي في الأنهار والبحار والمحيطات.
الاستخدام في الحروب
وتمتلك عديد من الدول هذه الغواصات وتستخدمها لأغراض عسكرية، ومن هذه الدول بريطانيا وكندا وأستراليا وكوريا الشمالية وإيران.
تسعى الدول جاهدة لتأمين مياهها الساحلية، وحماية الممرات البحرية الحيوية، واكتساب ميزات تكتيكية وإستراتيجية تساعدها في مواجهة الخصوم، وتعتبر الغواصات المسيرة إحدى أبرز المركبات المستخدمة لتحقيق هذه الأغراض.
وقد أدى استخدام الغواصات المسيرة في الحروب الحديثة، إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها القوات البحرية للكثير من الدول، لا سيما مع القدرات الواسعة التي تمتلكها هذه الغواصات ابتداء من جمع المعلومات مرورا بالقضاء على الألغام وانتهاء بمهاجمة السفن المعادية.
وتعتبر الصين وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وهولندا من الدول الرائدة التي تعمل بسرعة على تطوير مركباتها، لا سيما تلك التي تستخدم في القطاع العسكري. وتسعى روسيا كذلك لتطوير غواصات مسيرة نووية قد تكون الأولى من نوعها.
ومن الأمثلة على استخدام الغواصات المسيرة في الحروب الحديثة هناك الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ استخدمت الغواصات المسيرة من قبل أوكرانيا لمهاجمة السفن الروسية في البحر الأسود. وفي المقابل، استخدمت روسيا الغواصات المسيرة لأغراض عسكرية.
كذلك استخدمت جماعة الحوثيين الغواصات المسيرة في البحر الأحمر وخليج عدن في فبراير/شباط 2024، ضمن سلسلة من العمليات التي ينفذها الحوثيون تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة.