مجالس الحكماء هي تقليد قديم يعود إلى العصور القديمة حيث كانت تجتمع مجموعة من الحكماء والعلماء لمناقشة المواضيع الفلسفية والأخلاقية واتخاذ القرارات الحكيمة. تهدف هذه المجالس إلى تبادل الأفكار والمعرفة وصقل الحكمة واتخاذ القرارات الصائبة.
ومعلوم أن الفلسفة تعني حب الحكمة أو الحكمة الصافية، وجاءت طريقة ( دلفي) اليونانية من خلال اجتماع الخبراء أو الحكماء وتداول موضوع معين بالبحث والتمحيص العميق للوصول إلى نتائج محددة، ومنها خرجت مجالس الحكماء اللاهوتيين، كما أن مفهوم الصوفية الذي في بعض معانيه يتصف بحب الحكمة والتسامي عن الواقع المعاش.
تطورت الحالة مع تعقد المجتمعات ومتطلباتها، خاصة مع بروز النظام السياسي بأشكالة المتعددة، وظهور مفهوم الدولة، حيث جاءت مجالس النبلاء الإقطاعيين البرجوازيين التي تطورت لتصبح مجالس الشيوخ أو الأعيان وهم من يمكن إطلاق لقب ( حكماء النخب)، فيما جاءت مجالس النواب ذات الاختيار الشعبي لتعبر عن مجموع الإرادة الشعبية على هيئة مجلس النوّاب أو مجلس الشعب، وهم من يمكن أن يطلق عليهم لقب ( حكماء الشعب).
كما أن مفهوم ( المستشارين والخبراء ) ينساق مع مفهوم الحكماء بحيث يتصف من يحمل هذا اللقب عديد من الصفات التي تؤهله لمقام المستشار أو الخبير.
مناسبة الحديث هذا بروز ظاهرة ( مجالس الحكماء) في الأحزاب السياسية الناشئة والقديمة، وحيث يلاحظ أن هذه المجالس تحقق عديدا من الغايات الصعبة التي قد تودي بالحزب وقياداته إلى مستويات حرجة، فكانت هذه المجالس بمثابة حبل الإنقاذ، حيث إنها ساعدت على احتواء الشخصيات التي تمتلك مؤهلات فوق المطلوب كأن يكون أحد الشخصيات العامة التي تبوأت مناصب متقدمة في الدولة، أو ممن يتصفون باليسر المالي كرجال الأعمال وكبار التجّار، أو من كبار قومهم وعشائرهم، أو من حزبيين قدامى عركوا الحياة الحزبية وامتدوا فيها لدرجة كبيرة، أو من يتوقع مشاغباتهم وعنادهم وإصرارهم على المماحكات في كل صغيرةٍ وكبيرة.
فجاءت هذه المجالس حلاً سحرياً لمعضلة قد تتحول إلى مرض أو قنبلة موقوتة تنفجر في وجه الحزب.
إن مجالس الحكماء انتشرت بشكل واسع وملاحظ في مختلف الهيئات والمنظمات والدواوين والجمعيات والأحزاب، فهي بيئة حاضنة لكثيرٍ من الأشخاص الذين لا يمكن الاستغناء عنهم ولا يمكن الموافقة على استلامهم للواجهات القيادية.
وبعيداً عن التقييم الإيجابي أو السلبي لتلك المجالس وفاعليتها وانتاجيتها ودورها الحقيقي، فهي تشكّل ظاهرة اجتماعية جديرة بالمتابعة والتحليل والدراسة، وليس غريباً أن تأخذ شكلاً مؤسسياً رصيناً لتصبح إحدى الخيارات المتقدمة والأساسية لمختلف الهيئات المجتمعية الرسمية والمدنية منها.
إنها تجارب سيخوضها المجتمع، منها ما سيستقر ويمتد ويتعمق، ومنها ما سيندثر إلى غير رجعة، لكن لا بد من التجربة، فهي معيار وفلتر الحياة التي تنقيها من الشوائب وتدعم النوافع.