زاد الاردن الاخباري -
حل مجلس الأمة يعد إجراء استثنائياً، لكن تكراره بشكل متواتر يحوّله إلى إجراء روتيني، وهو ما قد يُشير إلى وجود خلل عميق في العملية السياسية برمّتها، ويتطلب من أهل الرأي مناقشة الأسباب والدوافع التي تقف خلف ذلك.
ومن غير المقبول استقبال قرار حل المجلس بنصب الخيام والتحضير للمنافسة الانتخابية فقط، فهذا التصرف يعكس اهتماماً بالغنائم السياسية على حساب المصالح الوطنية، ويثبت غياب دور أصحاب الاختصاص في تقديم حلول جذرية للمأزق السياسي المتكرر.
يلقي حل مجلس الأمة عبئاً مادياً ومعنويا ثقيلًا على كاهل الدولة والمجتمع معاً، فهو يُكبّد خزينة الدولة مبالغ باهظة لإجراء الانتخابات، ناهيك عن التكلفة المرتفعة للطاقم القضائي والأمني والإداري المشرف عليها. كما يُؤدي إلى تفاقم النزاعات الداخلية بين أفراد المجتمع، ويُعرقل مسيرة التنمية.
ويتطلب هذا الواقع تكاتف القوى الوطنية لتقديم الحلول المناسبة لاستدامة الاستقرار السياسي، والخروج عن المسار المتعثر للديمقراطية، لاسيما وأن تكرار حل مجلس الأمة له تأثيرات مقلقة سياسيا على مستقبل البلاد أبرزها:
• ضعف المؤسسات الديمقراطية: يضعف تكرار حل مجلس الأمة ثقة الشعب في المؤسساتِ الديمقراطية، ويثبّط عزيمة المواطنين عن التفاعل مع العملِ المؤسسي والانتخابات. فالديمقراطية تصحح مسارها وتكمل تجربتها عبر التراكم والتطور، وحرمانها من ذلك يفسدها ويعيق تقدمها.
• غياب الاستقرار السياسي: حل المجلس يحدث خللاً في استقرار النظام السياسي، مما يُؤثّر سلبًا على ثقة المواطنين بالعملية السياسية، ويحيطهم باليأس واللامبالاة منها. ويُشعرهم بأن أصواتهم لا تُؤخذ بعين الاعتبار.
• إعاقة التنمية الاقتصادية: من شأن حلّ مجلس الأمة أن يُعيق مسار إقرار القوانين والتشريعات الضرورية لتنمية الاقتصاد وتنفيذ المشاريع التنموية، ويُؤدي إلى تأخير تنفيذ الخطط الإستراتيجية وجذب الاستثمارات، ويعطل عجلة التنمية في البلاد.
• تعزيز الاستقطاب السياسي: مع تكرار حل مجلس الأمة تُصبح الانتخابات وسيلة للصراع على السلطة بدلاً من دورها في إيجاد حلول للمشكلات القائمة، وبدلا من التركيز على البرامج الانتخابية والخطط التنموية، ينصبّ التركيز على كسب المقعد البرلماني بأيّ ثمن.
أعتقد أن معظم المواطنين لا يزالون يؤمنون بأهمية الحياة الديمقراطية، ويرفضون فكرة إلغائها، ويعتقدون أنّ حل البرلمان المتكرر يدل على وجود خلل هيكلي تتحمل مسؤوليته حكومة غير قادرة على التكيف مع احتياجات الشعب، ومجلس غير قادر على تمثيل إرادة الشعب.
ولا ريب أن الكويت اليوم في حاجة ماسة إلى تضافر جهود المفكرين والسياسيين لبلورة رؤية إصلاحية شاملة تُعالج التحديات، وتضع خارطة طريق واضحة للمستقبل تُعزز من خلالها دور المؤسسات الديمقراطية، وتُحصّن مسارنا الوطني من تكرار حل مجلس الأمة.
فهل ستفرز الساحة السياسية خلال الأيام المقبلة طبقة سياسية جديدة تؤسس لمرحلة مختلفة من الإصلاح والنهوض، وتحمل على عاتقها مسؤولية بناء مستقبل أفضل؟