منذ سنوات كان أي حديث عن «الهدر» في المال العام يذهب بالأذهان مباشرة الى «التهرب والتجنب الضريبي» تحديدا، حتى أصبح «التحصيل الضريبي» اليوم وفي السنوات القليلة الماضية تحديدا يعدّ «قصة نجاح أردنية» يشهد بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بعد أن انتهجت الحكومة سياسة صارمة بمحاربة التهرب والتجنب الضريبي، فزادت الايرادات الضريبية بشكل ملحوظ جنّب الحكومة التوجه لجيب المواطن بفرض ضرائب أو رسوم جديدة من أجل زيادة الايرادات.
لكن الاقتصاد الوطني اليوم يواجه تحديات تتعلق بالهدر والفاقد والفرص الضائعة في قطاعات أخرى مهمة جدا تتطلب العمل بصورة أكبر لتوفير مليارات الدنانير أوالدولارات، الأمر الذي يستوجب بذل جهد أكبر للحد من تلك «الخسائر» وتحويلها الى فرص من شأنها زيادة ايرادات الخزينة وتوفير احتياطات أجنبية وسيكون لها أثر واضح على زيادة معدلات النمو وخلق فرص عمل جديدة.. ونشير هنا لعدد من القطاعات -على سبيل المثال لا الحصر-:
*أولا- (الفرص التصديرية الضائعة):
تقدر الفرص التصديرية الضائعة أو غير المستغلة في قطاع المنتجات الصناعية الأردنية -وبحسب أرقام ودراسات غرف الصناعة -بنحو ( 4.4) مليار دولار لمختلف دول العالم.
-في التفاصيل: صناعات الأسمدة تمتلك فرصاً تصديرية غير مستغلة لمختلف دول العالم بقيمة 2ر1 ملياردولار.
-الصناعات الكيماوية بقيمة 532 مليون دولار.
-صناعات الألبسة بنحو 477 مليون دولار.
-والصيدلانية بقيمة 387 مليون دولار..الخ.
*ثانيا -(الهدر الغذائي):
-يقدّر المهدر من الغذاء في الأردن بحوالي 93 كيلوغرامًا للفرد في العام، أي حوالي 955 ألف طن من الغذاء، في وقت يتم فيه بذل جهود كبيرة من أجل تحقيق الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي ووضع استراتيجيات زراعية يجعل من هذا التحدي المتزايد للهدر الغذائي أمرًا بالغ الأهمية لما له من آثار سلبية اقتصادية وبيئية واجتماعية، تؤثّر بشكل مباشر على الموارد الطبيعية المحدودة.. مع الاشارة هنا الى أننا مقبلون على شهر رمضان المبارك الذي يزداد فيه الاستهلاك ويزداد فيه الهدر الغذائي- مع الاسف الشديد-.
*ثالثا -(الفاقد المائي):
-في بلد يعاني من شح المياه ويعد من الافقر مائيا، وفي الوقت التي تبذل فيه جهود كبيرة بحثا عن مشاريع مائية كبيرة مثل « الناقل الوطني» الذي قد تصل كلفته لنحو
3 مليارات دينار.. ورغم ذلك يعاني قطاع المياه من الهدر أو الفاقد المائي (بشقيه الفني والإداري بنسبة تصل الى 52 ٪).
-وفقا لاستراتيجية قطاع المياه (2023-2040)، تعمل وزارة المياه على: خفض نسبة الفاقد المائي (المياه غير المفوترة) بمعدل 2 % سنويا للوصول إلى نسبة 37% عام 2030، و25% بحلول العام 2040.
*رابعا -(الفاقد الكهربائي):
-رغم الخسائر التي يعاني منها القطاع وتحديدا (خسائر شركة الكهرباء الوطنية) وانعكاسات ذلك على عجز الموازنة والمديونية..وعلى الرغم من أن كلفة نظام الطاقة الكهربائية في الأردن تزيد على مليار و755 مليون دينار، الا أن نسبة الفاقد الفني والاستخدام غيرالمشروع تزيد على 14% وبقيمة تصل إلى نحو 250 مليون دينار.
*خامسا -(الاتفاقيات التجارية):
-هناك فرص عديدة تحتاج لتفاصيل تتعلق بالفرص الضائعة أو غير المستغلة اقتصاديا، وتحديدا في اتفاقيات التبادل التجاري بين الأردن ودول عديدة منها الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي وتركيا وغيرهما من الاتفاقيات التي تستوجب المراجعة من أجل الاستفادة منها.
* باختصار:
1 - لو تم العمل على تقليل الفاقد والهدر في القطاعات المذكورة أعلاه، ولو تم استغلال، بل «استثمار» الفرص الضائعة لكفانا ذلك ربما انتظار استثمارات قد تأتي وقد لا تأتي، بل سيساعد توفير تلك المبالغ الطائلة والضائعة بتطوير تلك القطاعات: الكهربائية والمائية والغذائية والصناعية والتجارية..الخ، وخلق وظائف جديدة في تلك القطاعات والمساهمة برفع معدلات النمو، وكل ما نذكره هي ركائز رئيسة في «رؤية التحديث الاقتصادي» التي تهدف لزيادة دخل المواطن وتحسين مستوى معيشته وزيادة نسبة الرضا عما يقدّم له من خدمات.
2 - مطلوب دراسة أسباب استمرار هذا الهدر والفاقد والفرص الضائعة ووضع برنامج زمني واضح لايجاد حلول سريعة وناجعة.
3 - حتى ندرك أهمية ما ندعو اليه لا بد من الاشارة الى ما يلي:
أ)-أهمية استثمار الفرص التصديرية ينبع من أن الصادرات الصناعية الأردنية هي المحرك الاقوى والاسرع للنمو الاقتصادي، وأن كل دينار صادرات يؤدي لزيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 89ر2 دينار- بحسب دراسة لمنتدى الاستراتيجيات.
ب)-الكميات المهدرة من الغذاء في الأردن تكفي لتغطية الاحتياجات الغذائية لحوالي (1,5) مليون شخص لمدة عام كامل.