كانت أقل من ساعة لكنها كافية لتحدث بركاناً وصمتاً مطبقاً لفّ العالم بأسره، عندما تم اختراق بعض مواقع التوصل الاجتماعي العالمية وخاصة موقع ( ميتا فيرس) الفيسبوك سابقا، والماسنجر، وموقع الإنستغرام، واليوتيوب، وكانت الخشية من اختراق بقية مواقع التواصل التي تشمل الواتس أب والتيك توك والتيليجرام وغيرها من المواقع التي يمكن اعتبارها أحدث المخدرات أو المنشطات السيبرانية التي أدمنتها البشرية جميعها وتتعاطاها طيلة ساعات اليوم.
يقال أن خسائر مارك زوكربيرج صاحب المواقع يخسر في كل دقيقة تعطّل حوالي 220 ألف دولار، أي أن ساعة من التعطّل تكلفه 13 مليون دولار ونيّف.
بدأت بعض الرسائل تصلني من أصدقاء يتنصلون من أن حساباتهم لم يعد باستطاعتهم الدخول إليها، ويحذرون من أية رسائل قد تصلني من خلال الحساب المخترق، ضحكت وحزنت كثيراً لواقعنا السيبراني البائس، فنحن خرجنا من طوق القطيع التقليدي، إلى أطواق من القطيع الإلكتروني، وربما أصبحنا عبيداً سيبرانيين مسترقين لهذا الموقع وذلك التطبيق وتلك المنصة الإلكترونية.
تخيّلت بلؤم ماذا تحتوي عليه حسابات العرب بشكل محدد، وماذا لو تمكن الهاكرز من نشر ذلك المحتوى بعد السيطرة عليه، هل سنجد مقالات أدبية ونظريات علمية ومشاريع تعليمية وحوارات ثقافية وسياسية راقية، هل سنجد حلولاً لكثيرٍ من مشاكل المجتمعات، هل سنجد أفكاراً طبية وهندسية خلاّقة. هل سنجد مشاريع ثورية لتحرير فلسطين ونجدة غزّة وأهلها، هل سنجد أفكاراً اقتصادية رائدة تعطي العرب مكانة مرموقة في الساحة العالمية.
أم أن المحتوى لا يتجاوز رسائل وصورا يتم تبادلها بين طرفين ربما يكونان من ذات النوع الاجتماعي دون أن يعلما ذلك. محتوى على شاكلة: شو لابسة، الدنيا برد، افتحي كاميرا، نكات سمجة، صور رديئة بلا حياء، كلمات مبعثرة تافهة سوقية مبتذلة لا قيمة لها.
أم هو محتوى من قبيل لقطة لإصبع قدم فتاة في بث مباشر يتهافت عليه آلاف المراهقين السيبرانيين وهنا فالعمر لا علاقة له بذلك. تراه مشهدا سمجا بين ولد وأبيه أو أمه يقوم فيه الولد بالسخرية من أبيه لحصد الإعجابات، أم لذاك الذي يبث للعالم تفاصيل ليست بالضرورة حقيقية ويظهر مع زوجته لتبدأ حفلة استغلال واستغفال في انتظار من يفوز منهما على الآخر، تراه فيديو لولد يجلس في البانيو الممتلئ بالماء ويردد طيلة الوقت جملة واحدة مع تهافت المشجعين، هل يمكن مشاهدة فيديوهات التسوّل أو التعرّي أو التنمّر أو التعنصر أو بث السموم والكراهية أو الحماقات أو التفاهات.
هل هذا المحتوى يستدعي كل ذلك التوتر والقلق بغياب إمكانية الوصول لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
هل سنخجل من عرض مثل هذا المحتوى أم نفخر به باعتباره منتجاً عربياً خالصاً.
أية أسرار عظيمة يمكن للهاكرز الاستحواذ عليها باستحواذه على حساباتنا الإلكترونية.
حقاً كانت ليلة لافتة أعادت تذكيرنا بدرجة الإدمان السيبراني لدينا، تماماً كمن يتعاطى مادة مخدرة وفجأة يتم حجبها عنه. إنها الهشاشة السيبرانية التي ملأت العالم والفضاء لغواً وصراخاً، لكنها في لحظةٍ تصبح كأنها لم تكن، مجرد ذاكرة فارغة من أي شيء، هو محو سيبراني لكل الهذيان البشري.
نسيت فهناك محتويات عربية خالصة تكتظ بها أوعية الرسائل من قبيل « جيب خبز معاك، بدنا شوية خضرة، بدي أروح عند أمي، جرة الغاز خلصت، الولد عليه حرارة، لا تنسى تجيب بصل وفجل وبقدونس وضمة نعنع»، نحن النعنع الذي خلع من حوضه دون أن يزرع.