منذ انطلاق جريمة الإبادة الصهيونية المستمرة، وبرعاية ودعم وتوجيه امريكي - عربي، ومشاركة في التنفيذ الاسرائيلي، قلنا بأن الجوع سلاح آخر في أيدي المجرمين، استخدموه كثيرا، لكنهم يريدون استخدامه هذه المرة كجزء من «سيستم» شيطاني إجرامي كبير، يبني نفسه منذ ما قبل السابع من اكتوبر الماضي، وما أحداث السابع المجيد، إلا مرحلة «ليست عفوية» من المراحل المهمة لبناء هذا النظام الحربي الإجرامي الكبير، الذي تبنيه أمريكا وتسخر له «برمجيات» كبيرة، وسوف يكبر هذا النظام، ويتحرك في المنطقة ثم العالم، كما يجري في افلام الخيال العلمي والشيطاني..
الجوع؛ صناعة قديمة، برع فيها الطغاة، ونالوا ما أرادوه غالبا من ضحاياهم، وهو اليوم تجري صناعته واستخدامه في غزة بصورة مثالية حتى الآن، فغزة أصلا سجن، يضم قرابة مليونين ونصف المليون بشري، تجري محاصرتهم وتجويعهم وابتزازهم منذ حوالي عقدين، ومن الواضح ان الأبحاث الحربية الصهيونية توصلت لفكرة، لتجريب هذا السلاح الفعال، لكن هذه المرة ضمن استراتيجية وخيارات وبرامج ذكاء صناعي، ومن خلال هذا الوضوح في تنفيذ جريمة كاملة، يمكننا ان نفهم بأن هذه القوة المجرمة الطاغية اختارت هذا النهج من التعامل مع كل الشعوب المستضعفة، وسوف تمر على الكوكب وشعوبه «طوفانات شيطانية» من إجرام مبرمج شامل، وستختفي كل الخطابات المنبثقة عن الحقوق والحريات والديمقراطية..
شهر الجوع؛ اعني شهر رمضان، الذي بهتت معانيه في قلوب وضمائر أمة تم تكليفها بصيامه تعبدا لله، وقد كتبت قبل سنوات مقالة وصفت «الشهر الكريم» بانه شهر الطعام والملذات والتفنن في «تذوق» الطعام، وهدره، وتمسحة الصائمين الذين اعتبروه «مهرجان طبايخ»، واعترض معترضون على هذا الوصف، وأعتقد بانهم باتوا اليوم اقرب إلى فهم ما كنت وما زلت أرمي إليه في مقالتي المذكورة، وكل ما أكتب عن رمضان وسائر المظاهر التي أصبحت مجرد «طقوسيات» في تفكير وسلوك و»ورع» أمة المليار ونصف المليار مسلم.. هذا الشهر سينطوي على فنون جديدة من التنصل من معاني الشهر الفضيل، فالامة التي تصمت عن هذه الجريمة البشعة بحقها، لن تقف فعلا عند معاني وحكمة مشروعية هذا الشهر في مثل هذه الظروف، وسوف يغرق الغارقون في «الطبيخ»، ويزدادون يقينا بأنهم جميعا لا يتمتعون بكرامة وإيمان طفل او امرأة او شيخ او مريض من «مساجين غزة»، الذين يعيشون ظروفا فيها من الصعوبة والقسوة، ما لا يستوعبها أحد من خارج غزة، ستصوم الأمة، وياكل الناس ويشربون ويقومون الليل «تراويح»، وسيتلذذون برفاهيات موسمية، ويذرفون «حروفا غبية» للتضامن مع أطفال ونساء وشعب غزة المسجون الجائع الذي يختار «الكمبيوتر» اعدادا منه كل ساعة، ليتم تقديمهم «قرابين» للسيستم الذي يبني نفسه من جديد على أشلائهم ودمائهم.
بقي القول بأن موت أهل فلسطين «غزة وغيرها»، وجوعهم، وصبرهم، وكفاحهم، وسائر أنواع العذاب الذي يعيشونه، هو تكريم إلهي لهم.
لا صيام مطلوبا من الذين هم تحت سياط العذاب، والقتل المبرمج، لكنهم كلهم صائمون حيث لا طعام ولا ماء ولا حتى دواء، إلا ما يقدمه المجرم الذي يسجنهم ويجوعهم ويقتلهم، ويغلق عليهم منافذ الكون كلها.