عنوان المقال يمثل أكثر تصريحين يطلقهما أي مفت غير مختص سواء في الاقتصاد أو الاجتماع أو السياسة، وحتى جدّة صديقي قالت ذات التصريح عندما ذهبت مع ابنها لخطبة فتاة لحفيدها والذي هو صديقي في محاولتها لإقناع أهل الفتاة في الجلسة أن هناك فرصة لتحسين وضع الزوجين مستقبلا وأن اختيارهما وقرارهما مناسب بالرغم أنه تجاوز عمر الخمسين، مشكلتنا في أننا جميعا وأنا أولهم نستخدم هذين التصريحين عندما نعجز عن الإجابة أو لا نملك أدوات تحليل مناسبة للواقع، فنبدأ بالفلسفة بإطلاق عباراتنا أن الموضوع يتوقف على وضع حلول علمية وعملية وأن هناك ضرورة للمباشرة ببناء شراكات إستراتيجية لتحقيقها، وذلك هروبا من موقف مفاده أننا غير مختصين أصلا في مجال الحديث ولا نعلم أسس وأدوات تلك الحلول العلمية ولا مستويات ومتطلبات الشراكات الجديدة.
مشلكة عدم قدرتنا فعلا لتوصيف الحلول العلمية والعملية في أي قرار يتم اتخاذه، وخاصة ما كان رسميا مؤسسيا أو وطنيا منها تُبنى على أكثر من سبب، وأول الأسباب أننا مجتمعات وأفراد ومؤسسات نرى في عقولنا أننا متفردون ونحن من نملك الوعي والحقيقة فقط ، وثانيها أننا لا نرى في النموذج المتخصص لدعم القرار كمراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة أو اصحاب الخبرة أنها تمثل مصدرا ومرجعا موثوقا لبناء تلك القرارات، بل نتعامل معها على أنها جهات تصدر نتائج وفق طلب جهة القرار وليس وفق قراءة حقيقية تحليلية للواقع، وهذه إشكالية صدرتها تلك المراكز وأرست أركانها، إلى جانب كونها سمة قد تكون في كافة مراكز الدراسات والأبحاث في الدول العربية، فأصبحنا جميعا نؤمن أن ما يصدر من قراءات ونتائج تُبنى كثيرا على مصلحة القرار وشخوص المؤسسة المعنية، ونادرا ما تُبنى على مدى تقارب القرار مع متطلبات واحتياجات حقيقية أو اختيار وفق أولوية للأغلبية، ولهذا يتردد على مسامعنا ما تكتبه شواهد النتائج بأننا بنينا ذلك على إجراءات ومدخلات خاصة أو غير محسوبة.
أما فيما يخص فتوى استخدام مصطلح بناء الشراكات الإستراتيجية، فهو مختلف، كونه تصريحا ووسيلة مهمة تستخدم كمخرج وحكم عاجل يمنح بإصداره المتحدث وصفا بأنه صاحب رؤية يتطلع للعمل المشترك وتبادل الخبرات، إلا أن مفاده في سيرة ونتائج ما حققناه على الأرض من عدد تلك التصريحات يفيد أننا لا نعلم تحديد جهة الاختصاص، فنبادر بتوزيع المهام تحت مسمى شراكات إستراتيجية، تخدمنا لاحقا في عدم معرفة الجهة المناط بها المسؤولية وما يتبعها من مساءلة، فتكون المهمة أقرب إلى ما يقال «تفرق دمه بين القبائل».
في المقابل وللأسف من يبحث القضية في العالم الاخر كالغربي والصهيوني يجد أن مصطلح حلول علمية وشراكات إستراتيجية هو أساس بناء القرارات، مما يعزز فرصة تحقيقها للعائد الأكبر بالنسبة لهم، وفيه مستوى مرتفع من تحقيق التشاركية في صنع القرار، فيقلل الخطأ ويقلل عزوف ورفض الأفراد عنه، بل يعزز وجود قوة ضاغطه اتجاه بناءه، كونه يستند فعليا لمرجعية وهي مراكز الدراسات والأبحاث في تلك الدول أو الكيانات، ومن يتتبع ذلك في محيطنا مسترشدا بما قدمته دراسات متخصصة سيجد أن ما يزيد عن 95 ٪من القرارات في الداخل الإسرائيلي مثلا هي نتاج متخصص قدمته مراكز مختصة للدارسات والأبحاث يصل عددها إلى 78 مركزا بحثيا، والتي تشكل ما نسبته 21 ٪ من نسبة عدد مراكز الأبحاث في الشرق الأوسط والتي لم تتجاوز حتى اليوم 380 مركزا، لتحتل المرتبة الثانية بعدد المراكز بعد إيران، كما وتسجل مراكز وتصنيفات متقدمة عالميا في جودة ما تقدمه لصاحب القرار، فكان سببا لاعتمادها في صنع القرارات وفق الدراسات التحليلية وإيمانها أنها مرجعية سياسة في علم صناعة القرار والإدارة التنفيذية له، وأنها تمثل خزانات التفكير التي تجتهد لدراسة مختلف الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من قطاعات الحياة، وتعمل كنقطة تعاون بين الأكاديميين والخبراء وبين هيئات صنع القرار في مختلف دوائر ومستويات كياناتهم لتضمن أعلى قيمة من نتاج قراراتها.
هنا يستوجب أن نوجه السؤال الأزلي والذي تحتاج إجابته محليا إلى تصريح رسمي وتبرير من تلك المراكز، وهو: لماذا لا يرى أو يتعامل المجتمع الأردني ومؤسسات صنع القرار الحكومية فيه إلى مراكز الدراسات والأبحاث إلا أنها في أكثرها ليست سوى جهات تسعى للبحث عن تمويل واستجداء لتنفيذ وإصدار دراسة ما، في وقت تعتبر أولوية في فكر وموازنات ومرجعية الدول الغربية والكيان الإسرائيلي؟