تواريخ في حياتنا الشعور بها وعيشها يبقى عُمرا، لا نحتاج مناسبات نتذكّرها، ولا مسمّيات حتى نبقيها على قيد الحضور، تواريخ باتت جزءا من عشقنا للحياة، إن لم تكن سببا من أسباب حياتنا، تواريخ ربما نختصرها بتسمية بشرية لكنها أكبر من أي تسمية بل أكبر من لغات الدنيا، هكذا هو عيد الأم، اليوم الذي أسمته البشرية ووضعت له يوما للاحتفال بين أيام عامنا، هو تاريخ نعيشه عُمرا وليس يوما أو حتى سنة.
لا يُمكن لأي شخص أن يكون محايدا في حديثه او احتفاله عن أمه، كما لا يُمكن لقلم وورقة، أو أيّ وسيلة للكتابة تُخرج ما في القلب والعقل والروح عن أمهاتنا، كلنا أصغر من الوصول لكلمات تحكي ما بداخلنا من حبّ وعواطف لمن منحت حياتها لنا، لمن أحبّتنا وقدّمت عمرها لنا دون مقابل، لمن عاشت وتعيش من أجلنا، لمن قدّمت أحلامنا وآمالنا على حضورها فكنّا ولم تكن، لمن وقفت معنا دون أن تعرف هل الحق لنا أم علينا، لمن لم تبتعد عينها عن حياتنا حبّا وخوفا ومداراة، لمن هي أعظم نعم الله في حياتنا.
في الحديث عن أمي لا يمكنني أن أكون محايدة، فأنا منحازة لأمي حدّ العشق، وحدّ اليقين بأنها ليست ككل الأمهات، كما كلّ الأبناء، أمي التي أعطت وتعطي وستعطي بإذن الله حبّا قبل أي شيء، وعطاء من نوع لا يعرفه سوى الأمهات، عطاء يبتعد كل البعد عن «الأنا»، في كل تفاصيل حياتنا أنا وشقيقاتي الثلاث، وأزواجهن، وأبنائهن، تعطي ولا سقف لعطائها، تسعى جاهدة رغم معرفتنا جميعا بأن في بعض الجهد عناء وتعبا، لكنها لا تقف عن العطاء، عطاء نراه ونعيشه، وعطاء بمشاعرها وتفكيرها الذي لا يتوقف تعبّر عنه دوما بقولها «طول ما أنتو مناح أنا منيحه»، فهذا هو زاد عيشها ووصفة حياتها الآمنة، ربما لا يمكننا دوما أن نمنحها هذا الشعور لظروف الحياة أو لمرض يتعرض له أحدنا أو ربما لما هو أقل من ذلك بمشكلة عادية تمر في أيامنا، لنزيد من عبء تفكيرها قلقا.
نبتكر بحبك أمي وضحكاتك ونعمة حضورك في حياتنا نبتكر حبّا مختلفا، وفرحا استثنائيا، وحياة نقيّة خالية من أي شوائب وتشوهات، نبتكر سعادة لنا وحدنا لا تشبه سوى عائلتنا، نبتكر قوّة وصلابة لمواجهة تعب الحياة وأوجاع الأيام التي لا نملك من أسبابها شيئا، ففي وجودك أمي أطال الله بعمرك نبقى في واحة حبّ واطمئنان نتكئ عليها من وجع الأيام وتعب السنين، وظروف الحياة التي لا مفرّ منها إلاّ لكِ يا سيدة كَوني.
أكررها كل عام نعرف أنا وشقيقاتي أن لشهر آذار وقع الألم في قلبك وروحك، فهو من غادرنا به والدي رحمه الله، وتبعه بسنين رفيقة روحك وقلبك «عمتي» ليترك هذا الشهر وجعا في داخلك وداخلنا جميعا، لكنه يوم رمزي بطبيعته نقلّد به الغير وأنت تعلمين أننا لا نبحث عن مناسبة أو يوم أو تاريخ لنحتفل بك أو نحكي لكِ حجم حبنا لكِ أنا «وناديا، ناهدة وسماح»، فنحن لسنا بناتك فقط نحن من نرى العالم والحياة من خلالك، نحن من نتمنى لو أن لقلوبنا ألسنة لتحكي ما بها من حبّ وكذلك حال أحفادك «محسن، أسامة، أحمد، وزهير وسما» وأزواج بناتك أو كما تحبين مناداتهما أبنائك « درويش وهيثم»، فأنت يا كلّ فرحنا وراحة بالنا أنتِ لنا نبض الحياة، ونبض البقاء، ولكِ وحدك اليوم بعد وفاة والدي رحمه الله «محسن حياتنا» لكِ وحدك نعيش من أجل الحياة معك ولكِ، فأنت الإكتفاء.
كل عام وأمي وأمهات الدنيا بألف خير.