يضربني في كل رمضاني سؤال كبير يتجدد عن سبب تسارع سيارتنا وطيرانها بسرعات تقترب من سرعة الضوء قبل الإفطار؟ لماذا نغدو صورايخ عابرة للقارات؟ وكيف تتلبسنا تلك العجلة في الدقائق الخمس ما قبل الآذان؟ وكأن الحياة مختصرة كلها في الوصول قبل التكبيرة الأولى.
الإجابة يعرفها الجميع تقريباً، فالبعض منا صنف من تلك الكائنات التي تؤجل وتؤخر وترحّل الأشياء دوما إلى ما قبل خط النهاية بخطوات أو لحظات. هكذا هم، أبناء اللحظات الأخيرة. يدرسون قبل الامتحان بساعات قليلة، ويستنزفون قواهم على عبتبات ما قبل الوصول إلى الأشياء.
الذي أوصلنا إلى تلك الحالة، التي يؤشر إليها طيران ما قبل الإفطار، أن بعضنا يجيد ويحترف التسويف الذي يجعلهم يتراخون ويبددون ساعاتهم الفضفاضة، لكنهم قبل الخط الأحمر يهبون كبركان، وكأنهم يودون ذلك الثوران أن يستردوا ما خسروه من أوقات مبددة مقتولة دون حساب.
الذي ينام بالساعات ويتمطى طوال النهار يخرج لشراء ضمة بقدونس في اللحظات الأخيرة؛ ليبدي مهاراته بفنون الرالي، وكأنه يبهجه أن يسابق كائنات أخرى لا تقل عنه نزقا دون أن يستطيع أحد منهم أن يجب عن سؤال مباشر بسيط. ماذا لو تأخرت قليلاً عن موعد الإفطار؟ تصوم ثلثي اليوم وتعجر عن دقيقتين.
ذلك التسابق المحموم يجعلنا نقود سياراتنا بانفعال، وكأننا نحركها بقوة أعصابنا وصريك اسناننا. لا نسترخي في القيادة ولا نتمتع بها كما ينبغي. ففي هذا الرمضان شهدت عديدا من مشاجرات حامية بين سائقين لسبب أتفه أن يذكر أو أن يكتب في محضر لدى الشرطة. فلماذا نتغير حين نصير خلف مقود السيارة؟ كيف تتبدل أخلاقنا ويذهب التسامح منا وطيب الرشاد.
الأخوة الجزائريون يصفون من يفقد أعصابه ويغضب خلال يوم الصوم بمغلوب رمضان. وما أكثرهم في شوارعنا وأسواقنا وبيوتنا هؤلاء المغلوبين. ما أكثر الذين تسجل في مرماهم عشرات الهفوات التي لا تخدش صيامهم فحسب، بل تجعله جوعاً منزوع الأهداف.
يغلبه رمضان مثلا؛ فيغلق الشارع بسيارته ليمتد طابور السيارات الزاعقة خلفه لكيلومترين أو أكثر بحجة أن صائمنا المبجل نزل ليلتقط كيس تمر هندي، وحين يعود مظفراً دون أن تنبجس منه ابتسامة اعتذار صغيرة، يركب سيارته شاتما قلة صبرنا وضيق أخلاقنا.