كلماتي هذه، التي أخطها بقلم راسخ وعزم لا يلين، تنبع من قلب يرفض السكون وعقل يأبى الصمت، خاصة عندما تتعرض أرضي وأمتي للتهديد والتحدي. كثيرًا ما شطبت ما خطت يدي، خشية أن تُساء تأويل كلماتي، ولكن حين تصل الأمور إلى حدها، أجد نفسي مدفوعًا بقوة إلهية لأقف وأتحدث، بغض النظر عن كيف يُمكن تفسير موقفي.
منذ لحظة اشتعال فتيل «طوفان الأقصى»، لم يتهاون أي من أبناء الأردن الأبي، لم يقبلوا بالوقوف متفرجين، بل هبّوا يدعمون إخوانهم في غزة بكل ما أوتوا من قوة. كانت أرواحنا تحلق عاليًا بالأمل، آملين أن تمثل هذه الأحداث منعطفًا حاسمًا، رغم الغموض الذي يكتنف أسبابها ومقدماتها. أهي مجرد تكتيكات عابرة أم توقعات بردود أفعال محسوبة؟
شهدت أرض فلسطين، وبالأخص قطاع غزة، الذي تحول إلى معتقل جماعي، آلامًا وويلات لا يعرف ثقلها إلا من عايشها وتأمل فيها. لم يخلُ منزل في الأردن من المسارعة بالمساعدة، سواء بالمال أو بالدعاء، وصولًا إلى تحجيم الاحتفالات والتجمعات. تصدّرت معاناة غزة قائمة أولوياتنا، حتى باتت محور حديثنا وفكرنا.
كما لا يمكن إغفال دور المساجد وخطبائها، الذين لم يتركوا كلمة إلا ونطقوا بها، مدافعين عن الحق بكل شجاعة، وكل من يملك منبرًا استخدمه لصالح دعم المقاومة وكشف ظلم الاحتلال.
وإذا كانت لخطابات قيادتنا الملكية في المحافل الدولية دلالة، فهي تؤكد على عمق تأييدنا للقضية الفلسطينية. لكن يؤسفني أن هناك من يجتهد في محاولة زعزعة استقرار أمتنا، يسعى لمنعنا حتى من رفع أدعيتنا لإخواننا في غزة، بل يحاولون جرّ الأردن إلى دوامة الفوضى والدمار، متناسين أن الأردن، بقيادته وجيشه وشعبه، سيظل صخرة صماء تتحطم عليها مؤامراتهم.
تصريحات بعض قيادات حماس الأخيرة، والتي تزامنت مع زيارات إلى طهران، لا تُفسّر إلا كدعوات مبطنة لإثارة الفوضى في الأردن. ولكن دعوني أقول بكل وضوح: الأردن، بكل ما يملك من قوة وعزيمة، سيقف كالجبل الأشم في وجه هذه المخططات.
في ظل الأوقات العصيبة التي يمر بها وطننا، بات التحريض على الأجهزة الأمنية أحد الأساليب الدنيئة التي يتبعها البعض لزعزعة استقرار الأردن. لكن عليهم أن يعلموا، أن عند حدوث أي تحدي، سيتحول كل أردني إلى رجل أمن، مستعد للدفاع عن استقرار وطنه بكل ما أوتي من قوة وشجاعة. الأردن ليس بالبلد الذي يمكن أن يُخترق أمنه بسهولة، فكل مواطن فيه عين ساهرة، حارس أمين على سلامة ترابه.
الجماعات التي تستغل الدين لأهداف سياسية قد باتت أساليبها بالية وفارغة من أي مضمون حقيقي، تحاول جاهدةً استغلال معاناة غزة لكسب التأييد وإثارة الفتنة. محاصرة سفارة فارغة هو أحد الأمثلة على تلك المحاولات اليائسة للتأثير على الرأي العام، لكن الشعب الأردني بوعيه وتحصينه لن يسمح بأن يكون أداة في يد هذه الجماعات المضللة.
من العجيب حقًا أن نرى أولئك الذين ينادون اليوم بإشعال النار في الأردن، ينسون أن الأردن كان، بعد الله، سببًا في إنقاذ حياتهم وتوفير الأمان لهم. كيف يطالب هؤلاء بزعزعة استقرار البلد الذي آواهم وحماهم في أحلك الظروف؟ هذه ليست سوى نكران للجميل وتجاهل لمبادئ الشكر والعرفان.
أود أن أوضح أننا لا نعارض أي مظاهرة تعبر عن مشاعر الشعب الأردني وتحمل توجهات جلالة الملك عبدالله الثاني نحو فلسطين وغزة. إن ما يجمعنا هو الشعور الصادق تجاه إخواننا، وحقهم في الحرية والعدالة. لكن، نرفض رفضًا قاطعًا أي مظاهرة أو تحرك يهدف بالأساس إلى زعزعة أمن واستقرار الأردن. كمواطنين، نقف على أهبة الاستعداد للتصدي لهذه المحاولات الدنيئة، متمسكين بقيمنا الوطنية ومبادئنا الأخلاقية التي تجعل من الأردن وطنًا قويًا، متحدًا في وجه التحديات.
إن وحدتنا الوطنية وإيماننا العميق بقيم العدالة والحق ستكون دائمًا سلاحنا الأقوى في وجه كل محاولة لزعزعة استقرارنا. نحن، شعب الأردن، صفًا واحدًا خلف قيادتنا، مستعدين للدفاع عن أرضنا وحماية مستقبل أجيالنا. حمى الله الأردن من كل سوء وأبقاه شامخًا، آمنًا، مزدهرًا.
قيادتنا الحكيمة والبصيرة تعرف جيدًا كيف توازن بين المساعدة وحماية الوطن من الزلزال الذي يحاول البعض إثارته. هذه دعوة صريحة لدولتنا الأردنية، لأن تتخذ موقفًا حازمًا، بلا تردد أو تساهل، ضد كل من تسول له نفسه بث الفتنة والفوضى في صفوفنا.
علينا الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن نرفع صوت الحق بقوة وبلا تردد، مطالبين بيد من حديد تقطع دابر الفتن والمكائد التي تحاك في الظلام. لقد بات العبث بأمن الأردن واستقراره لعبة مكشوفة، يمارسها من لا يقدّرون السلام والأمان الذي نعيشه، محاولين جرّنا إلى مستنقع الدمار الذي يحيط بنا من كل جانب.
إن الأردن، بقيادته الفذة، وشعبه الأبي، وجيشه الباسل، لن يكون أرضًا خصبة لزراعة بذور الفتنة والشقاق. نحن، بكل فخر واعتزاز، نقف خلف راية الوطن، متمسكين بعروبتنا وهويتنا، مدافعين عن حقنا في الحياة الكريمة والأمان.
لن تنال محاولات التفريق والتخريب من وحدتنا وتماسكنا. يجب أن نظل يقظين، متحلين بالحكمة والصبر، مستعدين لمواجهة أي تحدٍ بكل شجاعة وثبات. الأردن، بكل ما يملك من قوة وعزيمة، سيبقى حصنًا منيعًا ضد الأطماع والمؤامرات.
هذا الوقت يتطلب منا جميعًا، من قيادة وشعب، التحلي بأقصى درجات الوعي والمسؤولية. علينا أن نرص صفوفنا ونعزز جبهتنا الداخلية، لأن قوة الأردن تكمن في وحدة شعبه وصلابة موقفه.
فلتكن هذه رسالة واضحة وصريحة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الأردن واستقراره: الأردن ليس بالأرض التي تُخضع أو تُروّع. نحن، بكل ما أوتينا من قوة، سندافع عن تراب هذا الوطن الغالي، متحدين كتلة واحدة صلبة، لا تأبه للتهديدات ولا تلين أمام المحن.
في الختام، أدعو الله أن يحمي الأردن، أرضًا وشعبًا وقيادة، وأن يجعله دومًا رمزًا للأمن والاستقرار والكرامة. حفظ الله الأردن عصيًا على أعدائه، مزدهرًا في ظل قيادته الحكيمة.
وتبقى اللعنة والعار لكل من يحاول زعزعة هذا الاستقرار، أو يفكر في إلحاق الضرر ببلدنا الحبيب. الأردن قوي بأبنائه، وسيبقى شامخًا، عزيزًا، محصنًا بإيمانه ووحدته وتلاحمه الوطني.