العيد المقبل، أول عيد يأتي بعد حرب قطاع غزة، ولا يبدو أن العيد سيكون بكافة مظاهره المعتادة، والذي يسأل التجار في عمان وبقية المدن يدرك التراجعات الجارية.
كثرة من الناس تجاوزت طقوسها المعتادة في رمضان، بل تعرف عائلات لم توجه أي دعوة خلال هذا الشهر وفضلت إرسال المال المرصود لهكذا مناسبات للمؤسسات الأردنية العاملة في مجال الإغاثة لغزة، كما أن أجواء عمان مثلا، مختلفة هذا العام، من حيث الازدحام الليلي، والتسوق، وان كان هناك حركة فهي محدودة، والسبب القناعة السائدة بين الناس، ان شهر رمضان والعيد هذا العام يختلفان عن أي رمضان، وعيد، سابقين مرا على العموم.
مظاهر العيد على ما يبدو ستكون منخفضة الاحتفالية، من باب شعور كثيرين بالحياء والخجل أمام قتل وجرح مئات الآلاف، وهدم البيوت، واليوم بين أهل قطاع غزة أكثر من عشرة آلاف يتيم، غير الأرامل، والمفقودين، والبيوت المهدمة كليا أو جزئيا، ومشاعر التضامن هنا، لا تأتي من باب التشارك بالألم فقط، بل لأن مظاهر الاحتفال تبدو إدارة ظهر لما يجري في القطاع.
في كل الأحوال هذا دليل على أن الروح المعنوية منخفضة، وانخفاض الروح المعنوية بحاجة إلى ما هو أكثر من بث التطمينات، وتذكير الناس بضرورة الاستمرار في حياتهم، مع استمرار المذابح في قطاع غزة، وهي مذابح على ما يبدو سوف تتجه الى درجة أعلى نهايات رمضان وبعد العيد، خصوصا، مع التسريبات حول عملية رفح المرتقبة، والكلام عن تأجيلها الى ما بعد رمضان فقط، أو إلى شهر أيار المقبل، وهذا يعني أن المأساة متواصلة دون حلول في الأفق.
ما دمنا نحكي عن رمضان أو العيد ربما إطلالة الأمل الوحيدة ترتبط بما يحتاجه الأطفال من احتياجات في مناسبات تأتي في ظروف قد لا يدرك كثير من الأطفال مغزاها وأثرها على حياة الناس وروحهم المعنوية، وهذا يفسر تلبية طلباتهم، وان كان بشكل قليل أو منخفض، جراء تأثر العائلات أمام المشهد الدموي في قطاع غزة، وهو مشهد لم ير أحد مثله منذ عام 1948.
من ناحية ثانية فإن تأثيرات هذه التراجعات عالية على صعيد تأثر القطاع الاقتصادي الذي يواجه مشاكل متعددة، أي أن القصة هنا لها ارتداد على قوة القطاع الاقتصادي بكل مؤسساته، وتأثير ذلك على الحركة التجارية، وهي حركة تراجعت منذ شهر تشرين الأول العام الماضي، وربما تحسنت قليلا خلال الشهرين الماضيين لاعتبارات مختلفة، إلا أن التراجع بقي سمة سائدة.
هذا واقع لا يمكن حله بدعوات رفع المعنويات، ولا بالحض المباشر، فالقوى المالية التي تتركز في المدن الرئيسية، وفي سياق تحليل طبيعتها وطريقة إنفاقها، ومحددات شخصيتها الاجتماعية تتأثر بشكل مباشر من هذه الأزمات، على الرغم من كونها مصنفة من الطبقة الوسطى أو أدنى الطبقى الوسطى، وبعضها يرتبط بمليون أردني يغتربون في الخارج ينفقون على عائلاتهم هنا، وهذا يعني في المحصلة أن دفعها للإنفاق يتأثر بجملة عوامل مختلفة، من بينها حاجتها لخفض الإنفاق، والتحوط من المستقبل، وتأثير الموروث السابق، بشأن أزمات مرت.
ربما أهل قطاع غزة هم الأكثر حاجة للفرح، ولوقف هذه المأساة، علينا ان ننتظر لنرى صباحات عيدهم كيف سيكون، هل ستكون هناك إشراقة، أم صباحات العيد ستكون دموية.