جاءت حكومة الخصاونة لتضرب كل النداءات الشعبية بضرورة تقليص حجم القطاع العام ومحاولة دمج الوزارات المتشابهة في العمل والأداء لتقفز حاجز 30 وزارة . بالطبع هذه الوزارات سوف تزيد النفقات الجارية تحديداً بسبب استحداث وزارات جديدة كانت قد ألغيت في السابق ، كاسترضاء لبعض الوزراء الذين يرغب الرئيس بهم ، للدخول في تشكيلته ، وكأنه لا يوجد غيرهم في البلد ، كيف لا وهي حكومة القرايب والنسايب والمحاسيب . وهذا ليس حكم مسبق وإنما واضح من سياق التشكيلة .
الملف الاقتصادي والفريق المكلف به في هذه الحكومة لم يتغير في النهج والأسلوب رغم تغير الشخوص القائمين عليه ، فالحكومة مازلت غير معنية بموضوع معالجة عجز الموازنة بشكل جذري ، وهي تنتظر المزيد من المنح والمساعدات كسبيل وحيد لسد هذا العجز ، دون أن يرافق تشكيل الحكومة أية برامج تنموية فعلية من شأنها استغلال الهدر في الإنفاق ومحاربة الفساد ، وإن كان من السابق لأوانه أن نقول أن وزير المالية الحالي ، والذي كان متشدداً في تنفيذ سياسته النقدية إبان حكمه للبنك المركزي بسبب الأزمة المالية العالمية ، من الممكن أن ينتهج نفس الأسلوب في تنفيذ وإدارة السياسة المالية .
أقول بملئ الفم إذا استطاع الوزير الحالي القيام بحل معضلة عجز الموازنة بتخفيضه إلى مستويات أقل من 60% ، وذلك على حساب تحقيق معدل منخفض من النمو الاقتصادي لا يتجاوز 1.6% ، فاعتقد أنها بداية صحيحة لضبط الإنفاق الحكومي ، ضمن برنامج تكيف هيكلي قد يكون فيما بعد النواة لتبني برنامج تصحيح اقتصادي وطني ، وبمبادرة شخصية غير مرتقبة وشجاعة من قبل الوزير ، خلافاً للوزير السابق عاشق الاقتراض والتصريحات المتضاربة.
ولكن هذا الكلام من الممكن أن يتم التأكد منه ، ويكون أكثر وضوحاً بعد إقرار مشروع الموازنة العامة للسنة الجديدة 2012 ، ومنها يمكن الحكم على التوجه الاقتصادي للوزير فيما إذا كان متشدداً أم متوسعاً في سياسته المالية .
اعتقد أن العام القادم وما سيرافقه من استحقاقات دستورية ، بإجراء الانتخابات البلدية والنيابية وما يرافقها من نفقات جارية يتطلب أخذها بالاعتبار ، كما يجب على الفريق الاقتصادي مراجعة شاملة لاستراتيجيات التنمية الاقتصادية التي يمكن إتباعها في ظل هذه الظروف ، ومراجعة أرقام النمو وفقاً للواقع الجديد ، وأن نكون متشائمين في الإنفاق المالي ومعدل النمو الاقتصادي المتوقع ، إلى الحد الذي يجعلنا لا نفقد الأمل في المستقبل ، وما سيرافقه من إصلاحات دستورية لها آثارها المالية على الموازنة العامة خاصة محاربة الفساد ، ووقف الهدر المالي ، وقانون من أين لك هذا ، ومسائلة الوزراء السابقين المتهمين في إغراق البلد في الفوضى والتخبط.
من جانب آخر ، بكل وضوح يجد المراقب أن وزارة المالية تتسم بضعف حاد في الكوادر الفنية المؤهلة لقيادة دفة المالية العامة في البلاد على كافة الفروع والمؤسسات التابعة لوزارة المالية ، وإذا أراد معالي وزير المالية بدء دفة الإصلاح من وزارته ، فيجب عليه إعادة هيكلة الوزارة والموظفين العاملين فيها ، ووضع نظام خاص لها على غرار البنك المركزي ، والبدء بعملية الإحالات والتقاعد والتنقلات التي كان قد أوفقها الوزير السابق خوفاً على مصالحة لا حباً في الإصلاح ، وملئ الشواغر بنوع من الاحترافية على غرار ما تقوم به وزارة التخطيط أو البنك المركزي .
هنا اعتقد أن بداية الإصلاح ونهايته في وزارة المالية ، والنجاح فيها بداية للنجاح على المستوى الكلي .
د.اياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com