إن «لطاولة الحوار أربع زوايا قائمة وقوية وثابتة، ولن تستقيم طاولة الحوار من دون هذه الزوايا الأربع، واللعب في هذه الزوايا هو لعب في الوقت الضائع»، ورفض الحديث عن إعادة تشكيلها.
تحت الطاولة؟ كثيراً ما تتردد هذه العبارة في اللغة السياسية التي هي بطبعها لغة مواربة، وأحياناً تبدو اللغة السياسية إستعارية أو مجازية، فظاهرها ليس كباطنها وباطنها ليس كظاهرها، وهذا شيء طبيعي، أليس أحد تعريفات السياسة أنها فن الممكن، وبما أن السياسة فن، فإن رجالاتها أو صنّاعها يستعيرون أحياناً قليلاً من الأدب وشيئاً من الشعر في لغتهم الدبلوماسية، اللغة الحذرة جداً والمحسوبة بالكلمة وبالحرف، وربما كان الدبلوماسي أكثر دقة من الشاعر والروائي في إختيار الكلمات ودلالاتها، وإلا فإن هفوة لسان صغيرة من دبلوماسي غير محنك قد تؤدي إلى نشوب أزمة دبلوماسية وسياسية بين بلدين، هذا إذا لم تؤد إلى نشوب حرب حتى ولو كانت حرباً إعلامية .
عبر التاريخ تظهر الحقائق أن للدول والإمبراطوريات سياستين، إحدهما معلنة «فوق الطاولة» تعكس بالأغلب قيم الخير والمحبة والعدل.. إلخ، وأخرى خافية «تحت الطاولة» يباح بها كل شيء للوصول للأهداف والأطماع من قتل وقمع وخلق فتن ونهب موارد من عمليات تتكفل بها الأجهزة الحربية، وكلما تقلص الفارق بين السياسات المعلنة والخافية كان الخير هو المقصد، وكلما تباعد الفارق كان الشر هو الهدف.
إن ما يخيف دول وشعوب المنطقة هو ما يحاك تحت الطاولة وما يخطط في الخفاء من أمور لا تعلن ولا يعترف من يقوم بها بأنه من يقف خلفها، ويستدل هؤلاء الخائفون بما يجري للميليشيات الشيطانية الفئوية التي تقوى مع كل يوم يمر وتزداد ثراء وعدة رغم انها لا تصنع السلاح أو الذخائر أو المعدات والمركبات، كما انها لا تعلن عن مشروع تنموي واحد للشعوب المبتلاة بها، بل هناك دائما مشاريع حروب مستمرة ودماء ودمار، وهو ما يهدد دولها بالعودة بها الى عهود ما قبل الثورة الصناعية وعصور ما قبل النهضة الحديثة.
إن مصير الشعوب باتت رهن دبلوماسية ما تحت الطاولة وما ينجم عنها من مساومات وصفقات بين الأقوياء وليس بين مكونات الشعب، ثمة قوى ترفض أن يكون شعبها وبلادها ورقة يتم المساومة عليها من قبل الآخرين إن صح التعبير.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي