إلتفاف على الجمود وتعنت إسرائيل
21/2/2010
تجتمع اللجنة العربية لبحث ملف التفاوض مع إسرائيل خلال أيام لتشجيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الانخراط في محادثات غير مباشرة مع الاسرائيليين لمدة محدودة وبوساطة أمريكية فاعلة قد تنجح خلالها جهود كبح جماح هسيتريا الاستيطان.
الرئيس عباس, بحسب مسؤولين ودبلوماسيين عرب وأجانب, حصل على تطمينات "شفوية, وليست خطية" حيال مرجعية المفاوضات المقترحة وطبيعة الدور الأمريكي "الفاعل". نقل التطمينات إلى عباس في رام الله مساء الخميس نائب الموفد الامريكي الخاص الى الشرق الأوسط ديفيد هيل.
إثر ذلك دعت السلطة الفلسطينية لجنة المتابعة العربية إلى الانعقاد. اللجنة طلبت بدورها من رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني, باعتبار بلاده رئيسة القمة العربية, تحديد موعد الاجتماع وتوجيه الدعوة إلى الوزراء ال¯ 13 المعنيين, حسبما ما أكدوا في روايات متطابقة.
في الاثناء يزور السفير هيل عمان والقاهرة ضمن جولة عربية لضمان موقف عربي داعم لعباس, الذي قرّر الشروع في "مفاوضات بالإنابة" لشهور معدودة, والتعامل بإيجابية مع نافذة فرصة ضئيلة لتجاوز أزمة التفاوض قبل شروع الرئيس باراك اوباما بالتحضير هذا الصيف لمعركة انتخابات الكونغرس النصفية نهاية العام.
حسب ما يرشح من معلومات, يفترض أن تستمر المفاوضات غير المباشرة بين 3-4 شهور لتقريب وجهات النظر حيال "أمور جوهرية" تتعلق بقضايا الحل النهائي, بدءا بترسيم حدود الدولة الفلسطينية, على أمل أن يؤدي ذلك ضمنيا لوقف سرطان الاستيطان. إن نفذ ذلك, يتحقق شرط الفلسطينيين الأساسي قبل العودة لطاولة التفاوض, لتبدأ بعدها محادثات سياسية مباشرة تفضي إلى قيام دولة مستقلة مع نهاية فترة اوباما أواخر .2012
الفرق عن الآلية السابقة, يكمن في أن جولات المبعوثين الامريكيين المكوكية ستنقل من الآن وحتى انطلاق المفاوضات المباشرة "محتوى جوهري" بدلا من تكرار نقل المواقف والأفكار.
دبلوماسي عربي على صلة بالجهود الدائرة يقول إن "هيل أجاب على عدد من الاستفسارات التي وجهتها السلطة سابقا لمساعدتها على اتخاذ قرار القبول بصيغة التفاوض غير المباشر. وهو فعليا استمرار للصيغة المتبعة بين الطرفين من خلال جولات ميتشل المكوكية, وان لم تكن بصورة مستمرة وبالوتيرة والمكان نفسيهما".
كذلك "أخبره بأن دور الولايات المتحدة سيكون فاعلا ومباشرا وليس بروتوكوليا ولمدة زمنية معينة", حسبما ينقل الدبلوماسي ذاته, لافتا إلى استعداد أمريكا "لتدخل فاعل لرأب الخلافات وأيضا إجراءات تفكر بتبنيها في حال فشلت خلال هذه المرحلة".
هيل أكد لعباس أيضا "تطابق موقف أمريكا مع الوعود التي أطلقها أوباما لتنفيذ إقامة دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة تعيش بجانب اسرائيل مع تبادل اراض محدود ومتساو في المساحة والأهمية, ورفضه سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة كافة حسبما جاء في مقدمة وثيقة خارطة الطريق الدولية (منتصف 2003". كما تتطرق الضمانات الأخيرة إلى مسألة الحدود المستقبلية للدولة الفلسطينية.
ومن المتوقع أن يبلغ عباس الأسبوع المقبل الإدارة الامريكية موافقته على استئناف المفاوضات غير المباشرة حسب الصيغة التي أتى بها السيناتور جورج ميتشل قبل أسابيع.
دبلوماسي غربي يقول إن الإدارة الأمريكية تريد هذه المرة "مساعدة الطرفين على الانخراط في محادثات حيال قضايا جوهرية, وليس على شكليات المحادثات كما حدث سابقا". بموازاة ذلك, سيبدأ العمل على تطبيق خمس نقاط اقترحها ميتشل لبناء الثقة على الأرض; منها الإفراج عن أسرى فلسطينيين على دفعات, وقف اقتحام المدن الفلسطينية أي العودة إلى حال قريب من ما كانت عليه الأمور قبل أيلول 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
يدعم الجهد الامريكي الاخير لجنة الرباعية الدولية طبقا لخارطة الطريق صوب قيام دولة فلسطينية مستقلة, التي وافقت إسرائيل عليها على مضض مع وضع اكثر من 14 تحفظا.
لكن, هل ستؤدي مفاوضات الانابة الى نهاية سعيدة? تشك الأطراف العربية الرئيسية, بما فيها السلطة الفلسطينية بذلك.
يرى سياسي عربي أن "مبادرة ميتشل الأخيرة لا تحمل عناصر إدامة, لكنها تساعد على خلق حراك".
ذلك بسبب التعنت الاسرائيلي الذي زاد خلال فترة تولي رئيس الوزراء الليكودي بنيامين نتنياهو زمام الامور في بلاده قبل عام. فهو يبرع في إضاعة الوقت حول شكليات الأمور المتعلقة بمفاوضات السلام بينما يحاول إقناع الغرب بأنه غير قادر على المضي قدما بسبب غياب الشريك الفلسطيني القادر على احترام الاتفاقيات مستقبلا. هناك أيضا خشية من أن قدرة الإدارة الديمقراطية على توجيه البوصلة صوب أزمة فلسطين, وهي الغارقة خارجيا في وحل العراق, وافغانستان, وداخليا في لملمة تداعيات الازمة الاقتصادية واصلاح برنامج الرعاية الصحية على وقع تراجع شعبيته قبل الانتخابات نصف الفصلية.
اللوبي الصهيوني القوي داخل أمريكا نجح في "كركبة" أمور الرئيس في الكثير من القضايا الداخلية والخارجية. لذا تشعر دول الاعتدال العربي, التي راهنت على حل الدولتين, بخيبة أمل كبيرة حيال واشنطن. فأوباما يعجز الآن بعد أن أحيا أمل الفلسطينيين قبل سنة من خلال الدعوة الى تجميد كامل لبناء المستوطنات الاسرائيلية, ويدفع باتجاه إحباطهم برضوخه لرفض نتنياهو تجميد الاستيطان.
اوباما انهار في وجه التعنت الاسرائيلي ويعزز الانطباعات أنه يتبنى شروط إسرائيل حيال النزاع العربي وفي الملف الإيراني. وقد يكون هناك أجندات مخفية لدى امريكا لاستعادة ثقة العرب وكسب دعمهم من أجل الموافقة على فرض حصار على إيران. "فالعرب يدركون صعوبة الموافقة على فرض الحصار في ظل غياب حراك على مسار السلام وشعوب تؤيد خيارات الممانعة والمقاومة".
لكن بما ان مفاوضات الانابة "افضل ما يمكن الوصول اليه حاليا", لِمَ لا ننخرط بها اقله لإضعاف موقف إسرائيل ووقف الاستيطان مع بدئها, وضمان انخراط الإدارة الأمريكية بملف السلام خلال معركة الكونغرس? هذا السؤال يخيم على عواصم الاعتدال.
لذا تعمل عمان والقاهرة على دعم مطلب واشنطن بإقناع أبو مازن قبول العرض الأمريكي الاخير, اقله لوقف الضغوط الهائلة التي يتعرض لها من واشنطن". وتعمل أمريكا على إقناع الأوروبيين لدعم حكومة سلام فياض ماليا كما رتبت لقاء هرتسليا بين فياض وباراك قبل اسابيع.
على أن شركاء السلام العرب يدركون داخليا بأن المفاوضات غير المباشرة قد تكون خطوة اخرى غير مجدية أمام نتنياهو المراوغ. وقد تضر بصدقية الزعيم الفلسطيني المأزوم اصلا ? لكنها قد توفّر أغطية تكتيكية تخدم الهدف الاستراتيجي في ظل انعدام خيارات اخرى غير وضع ملف السلام على الرف لسنوات, بين ما تبقى من نهاية حقبة اوباما وتوجهات الرئيس الجمهوري الجديد في حال فشل اوباما في العودة للبيت الابيض بداية .2013
فالأردن وعباس في أزمة. استمرار الاستيطان يشكل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار المملكة لانه يضعف فرصة الحل الشامل. ومصر تدعم الجهد الأمريكي لإبعاد شبح غزة وضمان خطط التوريث الرئاسي بأقل الضغوط الامريكية الممكنة.
في المقابل, إطلاق المفاوضات غير المباشرة ستنزع الحجج من أمام دول عربية ضمن محور الممانعة الذي قد يستغل قمة طرابلس الشهر المقبل "لممارسة الشغب" بحسب مسؤول عربي كبير, ضد دول الاعتدال العربي, ما سيزيد إحراجها أمام قواعدها, على غرار ما حصل في قمة الدوحة.
"نتوقع الكثير من المساءلات والانتقادات لعدم فعالية الاندفاع خلف خيار السلام بعد مرور كل هذه السنوات من دون نتيجة, فلما لا يبدأ التلويح بسلاح المبادرة العربية", حسب مما يخشي مسؤول عربي.
في الاثناء, يعكف مسؤولون عرب على بلورة خيارات بديلة في حال فشل مفاوضات الإنابة, من بينها تحويل الملف للأمم المتحدة والطلب من الغرب أن يعلن بصورة واضحة وقطعية بأن إسرائيل هي التي تعطل جهد السلام..
الخشية أن لا يحدث شيء خلال فترة التفاوض ريثما يبدأ أوباما التركيز على الانتخابات النصفية. ثم تستغل إسرائيل الظرف الأمريكي لتوجيه ضربات عسكرية انتقائية ضد برنامج إيران النووي.
حل الدولتين المعترف به دوليا بات سرابا مكّن إسرائيل من الاستمرار في ابتلاع الأراضي. البديل القادم دولة يهودية غير ديمقراطية من دون فلسطينيين, الذين ستتحول قضيتهم السياسية الى مشكلة انسانية بينما تستمر الضغوط لاستحضار أدوار أردنية ومصرية في الضفة والقطاع واسترجاع روابط سياسية مع شعب من دون ارض. هذه على الاقل قناعة تيار شعبي واسع من الوطنيين, وليس "المشككين من ابناء وبناة جلدتنا"?
نفهم ضرورة استمرار الأردن الرسمي في دعم خيار السلام في غياب بديل عربي. لكن لا نفهم استمرار تخوين وقمع الأصوات التي قد تعبّر عن رأي مخالف ضمن حدود القانون وما تبقّى من نوافذ حريات. كما لا نفهم الإصرار الرسمي على عدم تنويع سلة الخيارات الدبلوماسية, بما فيها الانفتاح على ايران وحماس لتعزيز شروط المصالحة الفلسطينية, وهي هوامش تكتيكية متاحة ضمن الاستراتيجية العليا للدولة التي تعتبر امريكا واسرائيل خطا احمر.0