المهندس مدحت الخطيب - حالي كحال الكثيرين من أبناء وطننا العزيز، نقضي سحابة أيام العيد كلٌ حسب مسقط رأسه بين أهله وأرضه وأحبته وأصدقائه، ورغم جمال الطبيعة التي منحنا الله إياها في عروس الشمال إربد والويتها وقراها، إلا أن مأساة الخدمات تبقى معنا كل عامٍ، وهذا الأمر يتوافق مع الكثير من محافظات وطننا العزيز حتى وصل الأمر إلى قلب العاصمة عمان..
في هذا العام ومع تساقط حبات المطر في أول أيام العيد، كانت المعاناة مركبة في الكثير من قرى غرب إربد ولواء الوسطية، ويعود ذلك إلى ما يطلق عليه بمشروع الصرف الصحي..
للأسف، الشوارع متهالكة بالأصل وإن عولجت بعد انتهاء عمليات الحفر والترقيع، فإنك لن تسلم من فخ هنا ومصيدة هناك، قد تعيد سيارتك إلى أقرب كراج، محمولة بالطبع على احد الونشات...
من خلال مشاهدتي للكثير من الشوارع، وجدت غيابًا تامًا لمعظم أدوات وشروط السلامة العامة، وحتى الإرشادات التحذيرية أو ما يطلق عليه بالطرق البديلة أو التحويلات المرورية الضرورية ليخدم سالكي الطرق الرئيسية..
وعند الاستفسار عن سبب ذلك كله، قيل لي إن المشروع الممول من دول الاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتضمن عددًا من الحزم لخدمة مناطق غرب إربد بهدف تحسين وتطوير خدمات الصرف الصحي نتيجة التوسعات العمرانية والتطور الحضري التي شهدتها هذه المناطق وخدمة ما يزيد على 200 ألف مواطن بخدمات الصرف الصحي وتحسين الواقع البيئي لحماية مصادر المياه والاستخدام الآمن لمرافق الصرف الصحي في نهاية المشروع وهذا جميل ومطلب لاهل المنطقة ولطالما انتظرناه ..
لكن الواقع يقول عكس ذلك، فمنذ ما يزيد عن عام ونصف، والمشروع يمشي بين القرى على استحياء، فحجم المعدات والكادر لا يتوافق مع مساحة القرى التي يزيد عددها على 16 قرية وهناك افتقار للتخطيط في الانتقال من مكان إلى آخر.
قبل ما يزيد على عشرين عامًا عملت في المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري، وكنت مهندسًا مبتدئًا في ذلك الوقت وأتذكر أنه أُلحقت بي مهمة فحص المواد في أحد المشاريع ومن المفارقات التي عشتها أننا لم نشاهد المقاول الرئيسي إلا في يوم الاستلام والتسليم ولم نر اسمه إلا في فواتير الصرف، لأخذ المستحقات!
من أهم المشاكل التي تؤثر على سرعة الإنجاز للمشاريع في وطننا هو ما يطلق عليه باسم «المقاول الباطن»، فتجد أن العطاء عندما يُطرح يجب أن يكون له متطلبات ومواصفات تنطبق على عدد محدد من المقاولين وبعد أن يتم طرح العطاء ويتم المفاضلة يقوم المقاول الرئيسي بأخذ حصته من «رأس الكوم» ويقوم بمنح العطاء لمقاول آخر درجته أقل منه، والمقاول المبطن يقوم بإعطائه إلى من هم أقل منه، حتى وصل الأمر في أحد مشاريع الصرف الصحي أن المقاول المنفذ لا يملك إلا سيارة ومجموعة من العمال الوافدين ويقوم باستئجار الآليات من السوق، وهذا طبعًا يؤثر على سرعة الإنجاز ودقته والمطابقة للمعايير التعاقدية التي كان من المفترض الالتزام بها.
في الختام، أقول كما أن للمقاومة سلاحا يحترم، يوجد للمقاولة سلاح يفتك بالبشر والحجر ويتجاوز الكثير منهم الخطوط الحمر ولا أعمم !!؟؟ فالخيرون كثر وما زلت اكرر ما زال على هذه الارض ما يستحق الاحترام والانجاز الصادق والكثير من العمل