زاد الاردن الاخباري -
قال موقع “ميديابارت” الفرنسي، إنه لضرورة حفظ ماء وجهها بعد الهجوم على قنصليتها في دمشق، نفذت إيران ضرباتها على إسرائيل سعياً لتجنب اندلاع حريق إقليمي. لكن الحدث تاريخي، وقد تم الوصول إلى مسار فارق: “حرب الظل يمكن أن تتحول إلى حرب مفتوحة”.
انتقمت طهران بعملية “الوعد الصادق”، حيث أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي عن ذلك علناً. وفي الدقائق التي تلت بدء الهجوم الإيراني على إسرائيل مساء السبت، كرر على حسابه في موقع “إكس” التهديد الذي أطلقه قبل بضعة أيام: “ستتم معاقبة النظام الشرير”، لكنه انتقام مدروس بعناية، ومحسوب بشكل استراتيجي لتجنب تصعيد إقليمي حقيقي، وليس المقصود منه إلحاق أضرار جسيمة بالدولة العبرية، يوضح “ميديابارت”.
بالنسبة لطهران، كان الأمر يتعلق بأن تظهر لإسرائيل أنها لم تعد تقبل رؤية كبار ضباطها يتم القضاء عليهم واحدا تلو الآخر على الأراضي السورية واللبنانية. وبنفس القدر، الإثبات لحلفائها الإقليميين، الذين سئموا تلقي ضربات قاسية دون رد إيراني، أن لديها القدرة على ضرب عدوها، والقيام بذلك من خلال عملية واسعة النطاق. وأيضا أرادت من خلال الضربات توجيه رسالة للشعب الإيراني، يقول “ميديابارت”.
ويبقى أننا أمام منعطف جديد، حيث إنها المرة الأولى تاريخياً، التي تُنفذ فيها إيران، من خلال إطلاق عدة مئات من الطائرات بدون طيار والصواريخ، هجوما مباشرا وواسعا ضد إسرائيل. ولذلك غيّرت الحرب وجهها، حتى لو كانت بالنسبة لطهران مجرد عملية انتقامية رداً على اغتيال جنرالين ونحو عشرة أشخاص آخرين، في الأول من نيسان/ أبريل الجاري، في القنصلية الإيرانية لدى دمشق. يتابع “ميديابارت”.
حتى الآن، سادت حرب الظل التي كان يقودها من جانب طهران، بشكل أساسي، وبدعم منها وكلاؤها (الحوثيون اليمنيون، وبعض الميليشيات الشيعية العراقية، وما إلى ذلك) وحلفاؤها الإقليميون، حزب الله اللبناني وبدرجة أقل دمشق. والآن، يخرج الصراع إلى النور بالكامل، ليفتح دورة جديدة، وهي دورة احتمال الحرب المفتوحة، خاصة إذا سعت إسرائيل إلى الانتقام. وسبق أن أعلن مسؤول إسرائيلي، أنه سيكون هناك “رد كبير”، بحسب ما نقلت رويترز عن قناة إسرائيلية.
بعد الهجوم على القنصلية في دمشق، الذي نفذه الإسرائيليون في وضح النهار، اعتبرت طهران على الفور أن الأراضي الإيرانية هي التي استُهدفت، ولم يتردد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه “انتهاك لجميع الالتزامات والمواثيق الدولية”.
ومن خلال مهاجمة الأراضي الإسرائيلية، يعتقد القادة الإيرانيون أنهم ضمنوا حقوقهم. وقد أثّرت الضربة الإسرائيلية، بحسب خبراء مختلفين، بالإضافة إلى ضربات الأشهر السابقة، بشكل خطير على التسلسل القيادي لقوة القدس، خاصة فيما يتعلق بإمدادات الجماعات الموالية لإيران في المنطقة.
لكن، إذا كانت إيران قد تخلت عن مفهوم “الصبر الاستراتيجي” الذي سمح لها بتبرير عدم ردها على الهجمات الإسرائيلية السابقة، فلا يبدو أنها تريد الدخول في حرب معلنة مع تل أبيب. وقالت البعثة الدائمة لإيران في الأمم المتحدة إنه “يمكن اعتبار القضية مغلقة”. لكنها أضافت أنه “إذا ارتكب النظام الإسرائيلي خطأ آخر، فإن رد إيران سيكون أكثر قسوة بكثير”. وتابعت: “هذا صراع بين إيران والنظام الإسرائيلي المارق، والذي يجب على الولايات المتحدة أن تبتعد عنه”. وجاء نفس التهديد من الرئيس الإيراني: “إذا أظهر النظام الصهيوني أو مؤيدوه سلوكا متهورا، فسيتلقون ردا حاسما وأقوى بكثير”.
ولا تفعل هذه التحذيرات الكثير لإخفاء خوف طهران من الانجرار إلى صراع، حيث ستخسر كل شيء عندما تقترب من القدرة النووية. وينقل “ميديابارت”عن خبير فرنسي قوله إن القوات المسلحة الإيرانية لا تملك سوى القدرات العسكرية التي تمكنها من الصمود لمدة ستين يوما تقريبا ضد إسرائيل، هم يعانون من نقص الموارد المالية، وهو جوهر الأمر، وفق قوله.
وهكذا، نُشر البيان الصحافي الصادر عن البعثة الدائمة لإيران عندما لم تكن الطائرات بدون طيار والصواريخ قد وصلت إلى إسرائيل بعد، مما يشهد على نفس القلق من رؤية المنطقة مشتعلة، وبالتالي على ضعفها الاستراتيجي. وبنفس الطريقة، فإن الخوف الإيراني من المواجهة مع الولايات المتحدة، في حال انخراطها إلى جانب إسرائيل في الرد، يبدو أكثر وضوحاً في النص نفسه، يتابع “ميديايارت”.
كما يشترك البلدان في نفس القلق بشأن الاضطرار إلى مواجهة وضع لا يمكن السيطرة عليه. وقال مسؤول أمريكي كبير لموقع ”أكسيوس” إن الرئيس جو بايدن حذر بنيامين نتنياهو من أن حكومته ستعارض أي رد من الدولة العبرية ضد إيران. وتجري في مسقط (سلطنة عمان) محادثات بين واشنطن وطهران، لا سيما فيما يتعلق بانسحاب آخر القوات الأمريكية المنتشرة في العراق.
وأخيراً، فإن حلفاء إيران لم يظهروا سوى القليل من النشاط. لقد اكتفى حزب الله بإطلاق دفعات من الصواريخ على هضبة الجولان، كما يفعل كل يوم منذ الثامن تشرين الأول/ أكتوبر، في حين أن إمكاناته من الصواريخ والقذائف -أكثر من 100 ألف بحسب تقديرات بعض المختصين- تشكل التهديد الأخطر في مواجهة الدولة العبرية. وكانت الصواريخ التي أطلقها الحوثيون على جنوب إسرائيل، “بالتنسيق” مع إيران، أكثر رمزية من كونها ضربات فعالة، يتابع “ميديابارت”.
وتظل الحقيقة أن الهجوم الإيراني إذا سمح لطهران في البداية بحفظ ماء وجهها، فإنه يشكل مشهدا مذهلا، حيث تحلق طائرات بدون طيار فوق المسجد الأقصى.
بالنسبة للنظام، فإن فائدة عملية “الوعد الصادق” هي أيضا داخلية. ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من بدء حملة القمع ضد النساء غير المحجبات بقوة في المدن الكبرى.