في ليلة ايران واسرائيل «الأولى»، أعني ليلة السبت – الأحد الماضية، حين كان كل العالم منشغلا بذلك الحدث النوعي الذي ننتظره كلنا، وعلى أحر من الجمر، وكانت فيه وسائل الإعلام ووسائل التواصل بكل أشكالها، متحفزة لدحرجة أي خبر أو شبه خبر، لتضرم فيه الأقاويل والإشاعات والأمنيات، كنا في مكان آخر، بلا مجاملة ولا تجني على أحد، وكان تعاملنا الإعلامي رسميا جدا، مبنيا على ما سبق من أفكار وإجراءات بخصوص أحداث سابقة كثيرة، وكان هذا الإجراء في كثير من الأحداث منتجا، بناء، أرسى قواعد مهنية في ثقافة وممارسة كثير من وسائل الإعلام، لكن في تلك الليلة كان الأمر مختلفا، وكان الصمت خطيرا، وغير منتج، بل ربما فتح المجال للأخطاء والتناقضات، فعصفت العاصفة في الأفق الغربي للمملكة، وسمع كل الناس دويّ انفجارات جوية، خرقت مجال الصمت قبل مجال الصوت، حيث لا صوت رسميا ولا إعلاميا من أي نوع، يقدم تقييما أو تحليلا أو حتى مجرد سرد للمواقف الرسمية من الحدث الاستثنائي، سوى التحدث عن حفلة وليلة ذات طابع ابتهاجي مسرحي، بينما وسائل الإعلام حول العالم قدمت حتى أعداد القذائف الإيرانية وأنواعها وأماكن مرورها وسقوطها، وأنواع القذائف والطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي أسقطتها «جلّها».. وهذا بحد ذاته خطأ وتقصير اعلامي رسمي ووطني، وشارك فيه الجميع بلا استثناء.
استهجنت حين قال لي أحد أبنائي «الأردن أعلنت حالة الطوارئ»، وقلت له «كيف يا زلمة يعلنوا حالة طوارئ؟!»، ما بصير، هذي حالة دستورية إلها اشتراطات كثيرة، من بينها إعلان رسمي وتدابير وإجراءات ليتقيد بها الناس والمؤسسات، لكن ربما تعلن جهات عسكرية حالات من التأهب، وهي أيضا لها تدابير وإجراءات عسكرية ما، لكنها تستوجب أيضا إعلانا رسميا، وكل هذا لم يحدث، ولا يوجد أخبار رسمية عن أهمية أو خطورة الحدث.. وبالطبع كان في ذهني حين كنت أجيب ابني، بأن أؤكد نفي «تعطيل» الجامعات والمدارس يوم الأحد، وبعد برهة قرأت نفي الحكومة إعلانها حالة طوارئ، ثم خبر تأكيد دوام المدارس ليوم الأحد.. ولم ألبث طويلا حتى جاءني ابني يبلغني بأنه يسمع أصواتا ودويّ انفجارات، فتراجعت عن النوم حتى عن النعاس، ووقفت «ألدّ» عبر أحد الشبابيك، في منزلي الكائن في الجبيهة، وكنت أسمع الصوت ولا أرى شيئا، ثم عدت للهاتف، فشاهدت فيديوهات للألعاب النارية المذكورة.
إحدى وسائل الإعلام الرسمية بثت خبرا عاجلا يتضمن إعلان الأردن حالة الطوارئ، ولست أعلم من أين جاءهم الخبر، وما هو تعريف حالة الطوارئ الذي يفهمه من حرر ونشر الخبر!!.. وتناقل الناس ووسائل الإعلام حول العالم هذا الخبر، وهو خبر «حربي» بالدرجة الأولى في ظل الحدث الكبير بين إيران وأمريكا وحلفائها الأوروبيين والكيان المسخ، وهو الحدث الذي يشغل العالم حتى الآن، وحين يصدر خبر في مثل هذا التوقيت، عن دولة لها حدود كبيرة مع فلسطين المحتلة، فهذا يفتح مجالا لاحتمال دخول تلك الدولة إلى الحدث كطرف يقف مع أحد الأطراف، وهذا ما لا يريده الأردن، ولا يريد أن يفتح المجال لأي كلام أو تكهنات حوله، فالأردن غير معني بالاصطفاف مع أي طرف، وليس معنيا سوى بسمائه وترابه وأمن وسلام شعبه وأراضيه..
لم يقم وزير الخارجية بإعطاء معلومة واضحة لمحطة CNN الأمريكية، حين سألته هل قام الأردن بإسقاط المقذوفات الإيرانية، بل أجاب الإجابة السياسية القانونية المعروفة، بأن الأردن قام بواجبه بحماية أراضيه مما يشكل خطرا عليها، وبطبيعة الحال نحن دولة ترتبط بتفاهمات واتفاقيات عسكرية مع حلفاء معروفين، تتطلب تعاونا عسكريا في مثل هذه الأحداث، ولو أردنا الإجابة «حرفيا» عن سؤال المحطة الإعلامية الأمريكية، فنحن لا نملك الإجابة لأنها تتطلب معلومات عسكرية فنية كثيرة، ونحن لسنا في وارد إشباع نهم الصحافة العالمية لتقديم معلومات ليست من اختصاصنا ولا مسؤوليتنا.
لا مجال ولا مبرر للصمت، فهو خطير جدا في مثل هذه الظروف، ويجب أن يقوم الإعلام الوطني رسميا كان أم خاصا، بواجبه، ويقدم المعلومة على الشكل الذي يخدم الأردن وخطابه، ويراعي حق الناس بالمعرفة والفهم لما يجري.