في حضرة العلم الأردني أمس الأول، أخط هذه المقالة وأكرسها أولا للراية الأردنية، ومن ثم لرمزية الأعلام ومكانتها لدى من يبذلون الغالي والنفيس حتى تبقى عالية خفّاقة.
رحم الله معلّمي الأستاذ محمد أمين، أحد كبار نجوم التلفزيون الأردني والإعلام في المملكة، قام يوما بتوبيخ زميل أساء تقطيع مادة فيديو إخبارية واردة عبر الأقمار الصناعية أثناء تغطية حدث دولي بعيد عن الأردن آلاف الكيلومترات، كان يومها إسقاط جدار برلين وتفكيك الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية وحل حلف وارسو.
للمهنة أسرارها والأهم أخلاقها، والدرس الذي علمنا إياه يومها هي أن جميع الأعلام والرايات والرموز الوطنية والدينية والإنسانية تعامل باحترام لأن هناك من قدم أرواحه وأرواح فلذات كبده فداء لما يؤمن به وينتمي إليه ويدين له بالولاء وكانت الصور المشار إليها يومها تتعلق برتب ونياشين عسكرية لقادة سوفييت.
ما زلت أمقت وأشمئز من حرق أي علم فما بالك بمن يدوسه بالأقدام أو يمزقه بأسنانه ويقوم بلوكه أمام عدسات الصحافة «العالمية» التي ترى في الأمر شيئا مثيرا للسخرية لا التعاطف! الناس أحرار في تأييد أو الاختلاف مع هذه الطرح، لكن فيما يلي أمثلة لافتة حدثت مصادفة عشية عيد العلم الأردني، هنا في الولايات الأمريكية المتحدة.
باسم الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء حرب غزة وتفادي «حرب» إيران وإسرائيل، وباسم نصرة أهلنا أحبتنا في غزة هاشم، قام نفر من المواطنين الأمريكيين -بينهم لاجئون أو مهاجرون سابقون من أصول شرق أوسطية- بحرق الأعلام الأمريكية فيما أبرزت الصحافة أحدهم وهو يقود معتصمين رافعا علم حزب الله اللبناني (صدق أو لا تصدق في قلب نيويورك!). قبل ذلك بيومين، تحدث «ناشط» أمريكي وصفته قناة أمريكية بأنه «من أصل فلسطيني»، تحدث عن معاناة إخوتنا في ملتقى لنصرة غزة تحول إلى تجمّع لتأييد حماس ونظام الملالي لدرجة أن الهتافات التي أطلقت كانت كما تلك التي تطلق في إيران منذ 1979 وتتردد في بعض الساحات العربية التي تهيمن عليها الميليشيات الموالية لها. حتى الآن اكتفى متظاهرون في ولاية ميشيغان بترديد هتافين صدما الرأي العام الأمريكي بما فيها وسائل الإعلام اليسارية في المقاييس الأمريكية، الشعاران بالنص: «الموت لإسرائيل»! «الموت لأمريكا»!! ولم يبق سوى استحضار هتاف ثالث أضافه الحوثيون وهو «اللعنة على اليهود»! لكنهم لم يجرؤوا على ذلك حتى لا تثبت عليهم تهم خطاب الكراهية ومعاداة السامية ودعم الإرهاب..
ما من شك أن الأمر تم إبرازه وتوظيفه انتخابيا لدى وسائل إعلام اليمين وخاصة تيار الرئيس السابق وربما المقبل. دونالد ترامب أعلن في عدد من التجمعات الانتخابية نيته إطلاق أكبر عملية ترحيل في تاريخ بلاد العم سام، لا تقتصر على المهاجرين غير الشرعيين فقط، بل وكل من أيد أو رفع شعارا معاديا لأمريكا ولحلفائها في حرب السابع من أكتوبر.
أصوات وازنة في مجلسي الكونغرس الشيوخ والنواب، أعربوا عن نيتهم وقف سوء استغلال البعض للدستور والقوانين والثقافة الأمريكية الروحية والفكرية قبل أن تكون السياسية والقانونية. من فعاليات «النصرة والدعم»والدعوة إلى وقف إطلاق النار، تم قطع الطريق -لا مجرد تعطيل المرور- في ساعات الذروة، في جسور كبرى في ثماني ولايات أمريكية من أهمها نيويورك وكاليفورنيا (مدينة سان فرانسيسكو) حيث تقطن رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة المخضرمة نانسي بيلوسي. قطع الطريق باسم حرية التعبير وتعطيل حركة السير ومصالح الناس وحقهم في العيش بأمان وسلام وهدوء حق مصان، وتصل العقوبة في انتهاك حرماته إلى السجن خمس سنوات وتهم خطرة من بينها التآمر وتعريض حياة الناس للخطر بأعمال متهورة أو عدائية.
الخلاصة، ربنا لا تحرمنا الحصافة والحكمة ومن قبل المحبة حتى يحترم العالم رسائلنا الإعلامية ويتعاطف مع قضايانا في سائر أيام العام لا يوما واحدا فقط. الأردني الواعي في انتمائه، الصادق في ولائه، علم قائم بذاته، في ميدانه، كفرسان جيشنا الأبيض مثلا خلال محنة كورونا، وقبعاتنا الزرقاء التي حملت السلام إلى العالم كله، وجلبت معها المحبة والاحترام للأردن والأردنيين.. رحم الله من أحسن التعبير عن أصله وتربيته فقال الناس، رحم الله والديك وأعلى من شأن بلادك ونصر قضيتك. العلم قبل أن يكون علما، هو في الأصل راية أي رسالة..